نشر موقع الاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا" حواراً مع نواف العابد لاعب خط وسط المنتخب السعودي الأول لكرة القدم قبل يومين من مواجهة الأخضر المنتظرة أمام اليابان في تصفيات آسيا المؤهلة لمونديال ٢٠١٨، وجاء الحوار تحت عنوان "نواف العابد القلب الشجاع"، فإلى نص الحوار:
يتعرّض لاعب كرة القدم للعديد من المواقف الصعبة، ورغم قرب مسافة نقطة الجزاء وعدم وجود أي مدافع يحول بين المهاجم وحارس المرمى إلا أن تسديد الكرة من تلك العلامة يُعد من أصعب المواقف التي قد يمر بها اللاعب. فكيف إذا ما كانت تلك الركلة قد تحدد مصير منتخب كامل؟ وكيف إذا كانت في خضم الأوقات العصيبة؟ يحتاج الأمر لاعباً يتمتع بصفات خاصة بدون شك.
برهن نجم المنتخب السعودي نواف العابد على امتلاكه تلك الصفات عندما أظهر قوة الشخصية المتميزة "بأعصاب فولاذية" خلال تصفيات آسيا المؤهلة لكأس العالم روسيا . لم يختبر نواف نفسه في موقف أو حتى اثنين بل في أربعة مواقف غاية في الصعوبة. وقد أعلن التحدي وكسبه واحداً تلو الآخر.
استهل الأخضر السعودي مشواره في الدور النهائي من تصفيات آسيا بمواجهة تايلاند العنيدة في الرياض، ووسط الجمهور السعودي المتعطش للفوز. حُبست الأنفاس طويلاً مع بقاء النتيجة السلبية، وقبل أربع دقائق على النهاية حصل صاحب الأرض على ركلة جزاء، كان الجميع بانتظار لاعب آخر يقف عند علامة الجزاء ولكن سرعان ما تبيّن لهم أن صاحب القميص رقم 18 سيتولى المسؤولية. توقف نواف ونظر إلى الحارس ثم انطلق بخطوات واثقة ليسدد على الجهة اليسرى ويهز الشباك؛ كان ذلك هو الهدف الذي افتتح به السعوديون رصيدهم النقطي بالعلامة الكاملة.
"تعودت على هذه المواقف منذ الصغر. كانت المباراة صعبة علينا وكان لا بد من تحقيق الفوز. خلال اللحظات التي تلت إعلان ركلة الجزاء نظرت لعيون زميلي وشعرت أن هناك أمراً ما، لذلك ارتجلت الموقف وطلبت أن أسدد الكرة، رغم أنني لست الأول في أولوية تسديد ركلات الجزاء. كنت واثقاً من التسجيل،" يقول نواف العابد وهو يتحدث حصرياً لموقع فيفا.
ويضيف: "كان شعوراً رائعاً، عندما تسجل في تلك اللحظات الهامة من مباراة في تصفيات كأس العالم، فهذا يعني أن السعادة ستكون مضاعفة لدى الجماهير. لم نخيّب ظنهم فقد عادوا لمنازلهم فرحين بهذا الفوز."
شجاعة ورباطة جأش
انتقل نواف ورفاقه نحو ماليزيا لمواجهة العراق في الجولة الثانية. وتكرر الموقف بل إنه كان أكثر صعوبة، بعدما تأخر الأخضر بهدف عراقي في الشوط الأول، وظل شبح الهزيمة مخيّماً حتى انتزع الأخضر ركلة جزاء قبل تسع دقائق فقط على النهاية. يروي العابد ماذا حدث في أرض الملعب خلال تلك اللحظات المهمة، حيث قال: "نظر اللاعبون نحوي، وكانت بمثابة الإشارة لكي أنفذ الكرة من جديد. ورغم حجم المسؤولية إلا أن ثقتي بنفسي زادت أكثر وأكثر، وكنت متأكداً من التسجيل."، سدد نواف الكرة في أعلى الزاوية اليمنى وأدرك التعادل.
وما هي إلا دقائق معدودة حتى انتزع هذا النجم الماهر ركلة جزاء ثانية عندما اخترق المنطقة وتعرّض للإعاقة. لم يحتج الأمر تغيراً في القرار، حيث حمل العابد الكرة وتوجّه لنقطة الجزاء من جديد. لقد تعوّد بلا شك وأصبحت الأمور أكثر سهولة بالنسبة له حيث سجل بكل مهارة على يسار الحارس، وقلبت السعودية النتيجة وخرجت فائزة 2-1 بفضله.
ويستذكر العابد تلك اللحظات: "بعد أن سجلت لم أفكر إلا بأننا خرجنا بالفوز، صوت الجماهير التي آزرتنا في ماليزيا كان مدويّاً في الأرجاء. بعد أن ركضت تجاه الجماهير وجدت أحضان الزملاء بالانتظار، توجه الجميع للاحتفال معي. شعرت بالراحة بكل تأكيد، فقد أنجزت المهمة وكنت عند حسن ظن الجميع. أنا مدين لأهم شخصين في حياتي (أبي وأمي) فلهما تأثير كبير في تنمية شخصيتي للقيام بالأمور الصعبة."
ويضيف نواف: "بعد المباراة كان الفرح يعُم أجواء الفريق، ودارت الأحاديث عن كل التفاصيل. ولكن ما أثلج صدري وزادني فخراً بأنهم أصبحوا يلقبونني بـ(الشجاع) بعد تلك المواقف الصعبة. شيء جميل أن تملك ثقة زملائك، أشكرهم على مساندتهم لي."
لم يتوقف العابد عن إبداعاته، فخلال المباراة الثالثة قام بتمريرتين مهدتا بشكل رئيسي لتسجيل هدفين في شباك المنتخب الأسترالي في المباراة التي انتهت بنتيجة 2-2. وبعد أيام قليلة كانت مواجهة الإمارات مثيرة ورغم تقدم السعودية بالهدف الأول إلا أن الفوز لم يكن مضموناً. مع اندفاع الإماراتيين للهجوم، انطلق نواف مع زملائه في هجمة سريعة وانتهت الكرة عند أقدامه الساحرة ليسدد بكل برودة أعصاب في أعلى الزاوية ويسجل الهدف الثاني الذي ضمن انتصار فريقه بنتيجة 3-0 وليطلق العابد بعد ذلك صرخة النصر المدوية وسط فرحة الجماهير الغفيرة.
حلم كأس العالم
الآن يستعد نواف وبقية الرفاق لخوض لقاء صعب أمام اليابان في طوكيو يوم الثلاثاء، وخلال التحضيرات هناك تناول أهمية هذه المواجهة قائلاً: "نعرف أن التنافس مع منتخب اليابان على ملعبه يكون صعباً، ولكن هذا يزيدنا إصراراً للظهور بالشكل اللائق. أدرك أنهم سيضعونني تحت الرقابة والضغط، ولكن بتنفيذ تعليمات المدرب ومساعدة بقية الزملاء سأقدم أداءً إيجابياً في الملعب. لن أبحث عن المجد الشخصي، هدفنا الرئيسي الخروج بنتيجة تكفل لنا البقاء في الصدارة وعلى طريق التأهل."
وأكد قائلاً: "عندما سُحبت القرعة ووقعنا في هذه المجموعة كان الإحباط يصيب البعض. فالمنتخبات الموجودة معنا كبيرة ولها خبرة في التأهل. لكننا منتخب السعودية أحد عمالقة آسيا، وهذا هو الوقت المناسب لكي نظهر قوتنا. لقد تعاهد اللاعبون قبل المباراة الأولى على بذل الغالي والنفيس من أجل حصد بطاقة التأهل للنهائيات، وها نحن على الدرب وما زال المشوار المتبقي يتطلب المزيد من المجهودات، وسنبقى على العهد دوماً."
تأهل الأخضر السعودي للمرة الأولى وشارك في كأس العالم 1994 FIFA عندما كان نواف يبلغ من العمر أربع سنوات، ولكن في المرات الثلاث المتتالية بدأ العابد يراقب مباريات منتخب بلاده في العرس العالمي، ويأمل الآن أن يرتدي شعار السعودية ويرفع علمها في أكبر محفل عالمي لكرة القدم.
وختم قائلاً: "لدي ذكريات مع العديد من المباريات التي خاضها منتخبنا في البطولات الماضية من كأس العالم. لقد تعلّمت الكثير وتمنيت أن أكون لاعباً في ذلك الوقت. الآن لدينا الفرصة لكي نحقق أحلامنا ونخوض هذه البطولة الكبيرة، وما علينا إلا مواصلة العمل حتى يصبح الأمر واقعاً."