سلِّ صيامك (3).. حكاية "خُفَّيْ حُنَيْنٍ" وأصدق الشعر عند النبي محمد

سلِّ صيامك (3).. حكاية "خُفَّيْ حُنَيْنٍ" وأصدق الشعر عند النبي محمد
تم النشر في

 يتناقل الكثيرون المثل الشائع "رَجَعَ بِخُفَّيْ حُنَيْنٍ" لمن يعود إلى أهله خائبًا خالي اليدين، وقد أضاع جهده وماله.

ولهذا المثل قصة طريفة، هي أن حنينًا كان إسكافًا (صانع أحذية) من أهل الحيرة، فجاءه أعرابي ذات يوم ومعه جَمَل وبضاعة؛ ليشتري منه خفَّيْن (حذاء)، ولم يقبل الأعرابي السعر الذي طلبه حنين ثمنًا للخفَّيْن، وظل يساومه؛ لينقص السعر حتى تضايق حنين منه. وبعد نقاش طويل انصرف الأعرابي من غير أن يشتري الخفَّيْن؛ فغضب حنين، وأراد أن يغيظه، وفكر له في خدعة يخدعه بها.

ركب الأعرابي جَمَله؛ ليعود إلى قبيلته؛ فأسرع حنين إلىالطريق الذي سيسلكه الأعرابي، ووضع أحد الخفَّيْن في وسط الطريق، وسار مسافة ثم ألقى الخف الآخر في مكان أبعد قليلاً. ومكث حنين متخفيًا بالقرب من الخف الثاني.

مر الأعرابي بمكان الخف الأول فأمسك به، ونظر إليه متعجبًا، وقال: "ما أشبه الخف بخف حنين الإسكافي! ماذا يفيد هذا الخف وحده؟! لو كان معه الخف الآخر لأخذتهما".

ترك الأعرابي الخف، وتابع طريقه حتى وصل إلى الخف الثاني! فنزل من فوق الجَمَل، وأمسك الخف الثاني، وقلبه في يده، وقال: يا للعجب! هذا الخف أيضًا يشبه خف حنين تمامًا، يا لسوء الحظ! لماذا تركت الخف الأول؟ لو أخذته معي لنفع الخفان. ينبغي أن أرجع فورًا، وأُحضر الخف الأول.

وكان حنين يراقب الأعرابي من خلف تل قريب؛ لينظر ماذا سيفعل. فلما رآه قد مشى ليحضر الخف الأولأسرع وساق جَمَله بما عليه من بضاعة واختفى.

رجع الأعرابي يحمل الخف الأول؛ فوجد الخف الثاني على الأرض، ولم يجد جَمَله.

حمل الخفَّيْن ورجع إلى قبيلته. تعجب القوم عندما رأوا صاحبهم يرجع إليهم ماشيًا على رِجليه، وليس راكبًا على جَمَله فسألوه: "بماذا جئت من سفرك؟" فأجاب: "جئتُ بخفَّيْ حنين"، وأراهم الخفَّيْن.

سخر القوم منه بعد أن دخلوا يرددون: "رجع بخفَّيْ حنين".

وهكذا بقيت العرب تضرب هذا المثل لمن يعود إلى أهله خائبًا خالي اليدين، وقد أضاع جهده وماله.  

(ألا كل شيء ما خلا الله باطل ** وكل نعيم لا محالة زائل)  

في كتابه "أبيات مشهورة وقصائد مغمورة" يقول الكاتب الكويتي م. فهد الحيص: "روى أبو هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: أصدق كلمة قالها شاعر كلمة لبيد: ألا كل شيء ما خلا الله باطل".

وحسب فهد العيص: قائله لبيد بن ربيعة العامري، وهو لبيد بين ربيعة بن مالك بن جعفر بن كلاب العامري.أدرك لبيد الإسلام، وقدم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في وفد من بني كلاب، فأسلموا، ورجعواإلى بلادهم، ثم قدم لبيد الكوفة وبنوه، ورجع بنوه إلىالبادية بعد ذلك، وأقام لبيد إلى أن مات بها، ودفن في صحراء بني جعفر بن كلاب. ويُقال إن وفاته كانت فيأول خلافة معاوية، وإنه مات وهو ابن مائة وسبع وخمسين سنة. 

وجاء في كتاب "خزانة الأدب" لمؤلفه عبد القادر البغدادي: عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "أصدق كلمة قالها شاعر كلمة لبيد: ألا كل شيء ما خلا الله باطل".

وروى ابن إسحاق في مغازيه أن عثمان بن مظعون - رضي الله عنه - مر بمجلس من قريش في صدر الإسلام، ولبيد بن ربيعة - رضي الله عنه - ينشدهم: "ألا كل شيء ما خلا الله باطل"، فقال عثمان - رضي الله عنه -:"صدقت". فقال لبيد: "وكل نعيم لا محالة زائل". فقال عثمان: "كذبت؛ نعيم الجنة لا يزول أبدًا"!  

وقد استقرت المصادر على أن أصدق كلمة قالها شاعر هي كلمة لبيد في الشطر الأول، أما الشطر الثاني فقد كذب فيه الشاعر؛ لأن نعيم الجنة دائم لا يزول، وأن لبيد قال هذا البيت قبل أن يدخل الإسلام.

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org