
اهتمت العرب بأمر الشورى من أجل سداد الرأي وصحته، حتى اعتبروا الشورى من بين أبرز المزايا التي تميّزت بها الشخصية العربية عبر التاريخ.
وفي القرآن الكريم ينصح الله تعالي الرسول - صلى الله عليه وسلم -، بقوله تعالى: "وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ "، آية (159) سورة آل عمران، وفي سورة "الشورى" يقول الله تعالى، واصفا المؤمنين: "وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ"، آية (38).
وفي موقعه "صيد الفوائد" ينقل الشيخ سلمان بن يحي المالكي؛ عن شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - ما ندم مَن استخارَ الخالق، وشاورَ المخلوقين وتثبّت في أمره".
رحلة الأسلمي إلى المهلب بن أبي صفرة
في كتابه "المستطرف في كل فن مستظرف"، أورد شهاب الدين محمد بن أحمد أبي الفتح الأبشيهي، حكاية رجل من أهل يثرب يُعرف بالأسلمي، وكيف أنقذته المشورة من ديون تراكمت عليه وأصلحت حاله، يقول الأبشيهي:
"حكي أن رجلاً من أهل يثرب يُعرف بالأسلمي قال ركبني دَين أثقل كاهلي وطالبني به مستحقوه واشتدت حاجتي إلى ما لا بد منه وضاقت عليّ الأرض ولم أهتد إلى ما أصنع، فشاورت مَن أثق به من ذوي المودة والرأي، فأشار عليّ بقصد (الذهاب إلى) المهلب بن أبي صفرة، والي العراق.
فقلت له: تمنعني المشقة وبُعد الشقة (المسافة) وتيه (غرور) المهلب.
ثم إني عدلت عن ذلك المشير إلى استشارة غيره، فلا والله ما زادني على ما ذكره الصديق الأول (أشار عليّ بالرأي نفسه)، فرأيت أن قبول المشورة خير من مخالفتها، فركبت ناقتي وصحبت رفقة في الطريق وقصدت العراق.
فلما وصلت دخلت على المهلب، فسلمت عليه وقلت له: أصلح الله الأمير إني قطعت إليك الدهناء وضربت أكباد الإبل من يثرب (سافرت وتحملت المشقة)، فانه أشار عليّ بعض ذوي الحجى والرأي بقصدك لقضاء حاجتي.
فقال (المهلب): هل أتيتنا بوسيلة أو بقرابة وعشيرة (بواسطة أو عن طريق قريب).
فقلت: لا؛ ولكني رأيتك أهلاً لقضاء حاجتي، فإن قمت بها فأهلٌ لذلك أنت، وأن يحل دونها حائلٌ (لم تستطع القيام بها) لم أذم يومك (لا ألومك) ولم أيأس من غدك.
فقال المهلب لحاجبه: اذهب به وادفع إليه ما في خزانة مالنا الساعة.
فأخذني (الحاجب / الحارس) معه فوجدت في خزانته (خزانة المهلب) ثمانين ألف درهم، فدفعها إليّ فلما رأيت ذلك لم أملك نفسي فرحاً وسروراً.. ثم عاد الحاجب به إليه مسرعاً.
فقال (المهلب): هل ما وصلك يقوم بقضاء حاجتك.
فقلت نعم أيها الأمير وزيادة.
فقال (المهلب): الحمد لله على نجاح سعيك واجتنائك جني مشورتك (أي حققت المشورة طلبك عندما لجأت إليّ)، وتحقّق ظن مَن أشار عليك بقصدنا.