
لا ترحم الألغام في اليمن أحدًا، ولا تدّخر جهدًا في النيل من ضحاياها وسحق أحلامهم وتغيير حياتهم للأبد، وهذا ما حدث مع الشابة اليمنية "أمل أحمد" من سكان حي المطار بتعز.
"أمل" شابة يمنية كانت بالأمس القريب تشعّ أملًا وسعادة، وترمز للحياة في أوجها، فقد كانت أمل تحلم باستكمال تعليمها الجامعي وهي بصدد التجهيز لعرسها أيضًا، وتحلم باليوم الذي تدخل فيه مملكتها الجديدة مع شريك حياتها.
كل تلك الآمال والأحلام البرّاقة ذهبت سدى فجأة وعلى حين غفلة، حينما كانت أمل ماضية في طريقها لاستكمال بعض احتياجات جهاز عرسها، استوقفها حشد من الأطفال يلعبون بجسم غريب.
وكانت أمل من خلال الحملات التوعوية التي تقوم بها فرق مسام في اليمن، تعرف أن بعض الأجسام الموجودة في الطرقات قد تكون ملغومة، وقد استوقفها هذا الجسم وأحسّت أنها رأت له صورة ما وأنه قد يكون مهلكًا لهؤلاء الصغار؛ حيث قالت في حديثها لمكتب مسام الإعلامي: "حينما رأيت الأطفال يلعبون بهذا الجسم الغريب، تمعنت فيه جيدًا وعلمت أنه لغم مموّه فحملات مسام التوعوية ثقفتنا حول هذه الأجسام الغادرة، فهرعت للأطفال وأخذت منهم ذلك العدو المهلك، حينها قفز أحد الأطفال ليستعيد ما أخذته منهم، فسقط الجسم الغريب أرضًا وانفجر".
ومع صوت الانفجار تهاوت أحلام أمل ودمر عالمها الجميل من حولها، فقد كانت تسعى لإنقاذ هؤلاء الصغار من الخطر الداهم الملغوم الذي يتربّص بهم، لكن الثمن الذي دفعته باهظ جدًّا ومؤلم للغاية على كل الصعد.
وهنا قالت أمل لنا: "أنا لست نادمة على ما فعلت، فأنا لا يمكن أن أرى طفلًا يداهم الخطر ولا أحرك ساكنًا، رغم ما حصل لي جراء هذه الحادثة، حيث فقدت إحدى عينَيّ وأصبت في يدي، وتخلّى عني عريسي وظلمني الكثير من الناس".
إصابة أمل بهذا اللغم الغادر أطفأت إحدى عينيها وخلفت لها ألمًا كبيرًا؛ حيث اضطرت لتركيب عدسة لتخفي ما حلّ بعينها من مصاب وتشوه، وهو ما جعل عريسها يعدل عن الزواج منها، حيث قالت: "بعد الحادثة بمدة انقطعت الأخبار من جانب عريسي وعائلته، وسمعت بعد فترة أنه خطب وتزوج".
ألم كبير شقّ قلب أمل التي صبت كل اهتمامها وما تبقى فيها من قوة وعزم، على طموحها التعليمي؛ حيث واصلت مشوارها الدراسي وتخرجت لتصبح معلمة بإحدى المدارس، لكن أوجاع أمل لم تنته حتى بعد تكريس حياتها للتعليم؛ حيث قالت لمكتب مسام الإعلامي: "وجدت تنمّرًا كبيرًا وأسئلة لطالما ضايقتني من الكثير من الناس، وقد درست طلاب الثانوية لسنة وعانيت كثيرًا من صبيانيتهم وتنمرهم؛ لذلك عدت لتدريس الفصول الابتدائية لأضع حدًّا لتلك المضايقات".
واليوم تمضي أمل أوقاتها بين دفاتر طلابها ومع بعض الصديقات وأفراد العائلة، بعد أن هشم هذا اللغم وجه الحياة النضر في وجدانها، وجعلها تتخلى عن الكثير من أحلامها وتعيش في دائرة ضيقة لتدفع عنها آلامًا إضافية هي ليست قادرة على تحمل أعبائها، فلم يبق لأمل سلاح لمقاومتها سوى العزلة والهروب من سياطها المبرحة.