في الوقت الذي تداعت فيه معظم المباني في المدن والمناطق التركية التي ضربها الزلزال المدمر بقي مبنى صامدًا لم ينحنِ وسط عشرات المباني المتساقطة والأنقاض في مدينة مرعش، تاركًا الكثيرين في حالة تعجب، مثيرًا جدلاً على مواقع التواصل الاجتماعي.
المبنى التابع لغرفة المهندسين المدنيين في تركيا ضربه الزلزال بقوة 7.8 على مقياس ريختر، إلا أنه لم يتأثر نهائيًا بالزلزال في حين ظهرت الآثار التدميرية للكارثة الطبيعية على المباني المجاورة، فمنهم من سقط، ومنهم من أحدثت فيه شقوق غائرة، ومنهم من ينتظر السقوط والتداعي.
أرجع رئيس مجلس إدارة غرفة المهندسين الكهربائيين في تركيا ماهر أولوتاش، سبب عدم انهيار المبنى إلى تأسيسه السليم وصلابة المواد المستخدمة في بنائه.
وقال "أولوتاش": "حتى في مثل هذه الزلازل الكبيرة هناك مبانٍ يمكن أن تصمد طالما أُسست ببنية سليمة"، مشيرًا إلى أنه يمكن حدوث ذلك بوساطة تطبيق الهندسة والعلم بشكل صحيح، وتطبيق التكنولوجيا لصالح المواطنين.
وأضاف: "المبنى الموجود في الصورة هو مبنى ممثل محافظة مرعش التابع لغرفة المهندسين المدنيين، ليست هناك حاجة إلى الكلمات، فقط العلم والهندسة كافيان لبناء المباني التي يمكنها البقاء صامدة حتى في مواجهة مثل هذا الزلزال الكبير".
وأثارت صورة المبنى الصامد الكثير من الأسئلة حول مدى التزام مقاولي الإنشاءات في تركيا لمعايير وأكواد السلامة، وما يسمى بالكود الزلزالي في إنشاء المباني، والذي يمنع تأثرها كليًا أو جزئيًا بالهزات الأرضية.
وعلى الرغم من قوة الزلزال وهزاته الارتدادية، إلا أن خبراء البناء زعموا إن المباني المطابقة للمواصفات الهندسية السليمة، وأكواد ومعايير البناء التركية، كان من المفترض أن تظل قائمة، وألا تنهار كما حدث.
ووفقًا لما نقلته شبكة "BBC"، قال البروفيسور ديفيد ألكسندر، الخبير في التخطيط وإدارة الطوارئ في يونيفرسيتي كوليدج لندن: "كانت أقصى شدة لهذا الزلزال عنيفة، ولكنها ليست كافية بالضرورة لهدم مبانٍ جيدة التشييد".
مضيفًا: "في معظم الأماكن، كان مستوى الاهتزاز أقل من الحد الأقصى، لذلك يمكننا استنتاج أن جميع تلك المباني التي انهارت ويُقدر عددها بالآلاف لم تتماشَّ مع أي كود بناء معقول خاص بالزلزال".
فيما أوضحت المهندسة الإنشائية والمحاضرة في كلية لندن الجامعية "ياسمين ديدم أكتاس"، أن مقياس الأضرار يشير إلى أن المباني التي ضربها الزلزال في تركيا لا تفي بمعايير السلامة.
وقالت "أكتاس" وفق "CNN": إن ما نراه هنا يخبرنا بالتأكيد أن هناك خطأً ما في تلك المباني، ويمكن أن يرجع ذلك إلى أنها لم تكن مصممة بطريقة تتوافق مع قواعد البناء في المقام الأول، أو أن تنفيذ التصميم لم يتم بشكل صحيح".
وشارك المغردون عشرات اللقطات والمقاطع للحظات انهيار المباني وتداعيها تاركة خلفها آلاف الوفيات، والإصابات، والمفقودين، فيما تعهدت الحكومة بمحاسبة المقاولين، وملاك العقارات المتضررة.
وتوعد وزير العدل التركي بالتحقيق مع جميع ملاك العقارات المنهارة، والتي تسببت في مقتل الآلاف؛ مؤكدًا إجراء منع السفر بحقهم، كما أوقفت السلطات التركية 33 من متعهدي البناء بسبب عيوب ومخالفات في البناء بمدينة ديار بكر؛ كبرى المدن في جنوب شرقي تركيا والمنكوبة بالزلزال.
وشاهد الملايين مقطع فيديو لحظة اعتقال مقاول البناء التركي محمد يشار جوشكون أثناء محاولته الهرب عبر مطار إسطنبول إثر انهيار مجمعه السكني بالكامل في ولاية هاتاي من جراء الزلزال، فيما تستمر التحقيقات مع الموقوفين الذي يواجهون اتهامات شديدة بعد تسببهم في مقتل الآلاف.