يومان فقط يفصلان عن اندلاع كبرى مشكلات إسرائيل الداخلية، إذ يستعد الجيش العبري للشروع في تجنيد الدفعات الأولى من "الحريديم" بداية من الأحد المقبل، ما ينذر باشتعال الجبهة الداخلية في ظل استمرار العدوان الإسرائيلي على غزة، والمناوشات على الجبهة اللبنانية.
وتُعد قضية "الحريديم" أحد أكثر القضايا جدلية وحساسية في المجتمع الإسرائيلي، إذ يُلزم القانون كل إسرائيلي وإسرائيلية فوق 18 عامًا بالخدمة العسكرية، ولطالما أثار استثناء "الحريديم" من الخدمة جدلاً واسعًا طوال العقود الماضية.
وتفاعلت القضية بشدة بعد قرار المحكمة العليا في 25 يونيو الماضي، بإلزام الطائفة اليهودية المتشددة بالتجنيد في الجيش، ومنع المساعدات المالية عن المؤسسات الدينية التي يرفض طلابها الخدمة العسكرية.
وأعقب قرار المحكمة تصديق وزير الدفاع يوآف جالانت في الشهر الجاري على شروع الجيش في تجنيدهم ابتداءً من أغسطس المقبل، الأمر الذي أثار غضبًا واحتقانًا في أوساط الفئة الدينية، وأدى إلى اندلاع صدامات بين الشرطة الإسرائيلية وعشرات من "الحريديم"، الذين تظاهروا في تل أبيب احتجاجًا على إلزامهم بالخضوع للتجنيد الإجباري.
تعد "الحريديم" طائفة يهودية أصولية متطرفة، تطبق الطقوس الدينية وتعيش حياتها اليومية وفق التفاصيل الدقيقة للشريعة اليهودية، ولا ينخرطون في مؤسسات الدولة ومنها الجيش، بل يتفرغون للانخراط في مدارس دينية تُسمى "اليشيفات" حتى سن الأربعين، التي تمولها الدولة.
وتعود قصة إعفائهم من التجنيد إلى عام 1951 حينما أصدر رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك، ديفيد بن جوريون، إلى رئيس الأركان ييجال ييدين، معلنًا عن قرار بإعفاء طلاب المدارس الدينية من الخدمة العسكرية الإلزامية، مشيرًا إلى أن هذا الإعفاء ينطبق فقط على الطلاب الذين يدرسون التوراة، وكان يبلغ عددهم حينها نحو 400 طالب.
وعلى مدار السنين التالية نما عدد شباب الطائفة الأصولية ليصل إلى نحو 66 ألفًا معفيين من التجنيد الإجباري من أصل مليون و280 ألفًا إجمالي المجتمع الحريدي، وهو ما شكل مادة للنقاش الساخن داخل المجتمع الإسرائيلي الرافض لتمييزهم عن بقية أفراده.
يواجه القرار بإلزام شباب "الحريديم" بالتجنيد الإجباري رفضًا هائلاً، إذ دعا "مجلس حكماء التوراة" في حزب "شاس" الإسرائيلي "الحريديم" إلى عدم الامتثال لأوامر التجنيد في الجيش.
وجدد الحاخام الأكبر في إسرائيل يتسحاق يوسف رفضه الخدمة الإلزامية لأبناء طائفته الدينية، وقال زعيم طائفة اليهود الشرقيين: "من وصله قرار التجنيد فليمزقه".
وحرض يتسحاق يوسف الشباب على عدم الانضمام بقوله: "ولو تم سجنه سيحضر له رئيس المعهد الديني لتعليمه في السجن"، مضيفًا: "لا تذهبوا"، في إشارة إلى من يصله قرار التجنيد الإلزامي.
ويعود سبب إصدار القرار إلى المأزق الذي تعيشه تل أبيب في ظل سقوط عدد كبير من القتلى في غزة، وعلى الجبهة اللبنانية، ويرى جيش الاحتلال أن: "إرسال أوامر استدعاء سيمكنه من تجنيد الأعداد المطلوبة، وأنه لا يمكن الاعتماد فقط على من يريد التجنيد طوعًا".
كما برر وزير الدفاع يوآف جالانت استدعاء "الحريديم" بما وصفه بـ"الاحتياجات العملياتية"، في إشارة إلى الاحتياج الشديد للجنود في ظل عدوان مستمر في غزة منذ نحو 10 أشهر، فضلاً عن احتمال انتقال الصراع بشكل أكبر إلى الجبهة اللبنانية.