يموتون دون مساعدة.. أرقام مأساوية لمعدل وفيات الرضع في دار أيتام بالسودان

تعرضوا لسوء تغذية حاد وجفاف بسبب عدم وجود موظفين لرعايتهم
أرشيفية
أرشيفية

في الأيام التي تلت اندلاع الصراع بين الجيش وقوات الدعم السريع في العاصمة السودانية الخرطوم كانت الطبيبة عبير عبد الله تهرع بين الغرف في أكبر دار للأيتام بالبلاد؛ وذلك في محاولة لرعاية مئات الرضع والأطفال الصغار بعد أن تسبب القتال في منع غالبية الموظفين من الحضور.

وفي مطلع الأسبوع الجاري استهدفت الضربات الجوية والمدفعية المنطقة التي تقع فيها دار الأيتام، وفقًا لمصادر طبية، لفتت إلى أنه "كان من الضروري إجلاء الأطفال من إحدى غرف دار الأيتام عقب وقوع انفجار في مبنى مجاور".

وروت عبير عبدالله كيف كانت صرخات الأطفال تدوي في أنحاء دار رعاية الأيتام كبيرة المساحة، والمعروفة باسم "دار المايقوما"، بينما كانت النيران الكثيفة تهز المناطق المحيطة، وفقًا لـ"سكاي نيوز عربية".

عرف الموت طريقه إلى الدار؛ إذ كان هناك أطفال رضع في الطوابق العليا. وفي هذا الصدد أوضحت الطبيبة أنهم "تعرضوا لسوء تغذية حاد وجفاف بسبب عدم وجود عدد كاف من الموظفين لرعايتهم".

وأشارت "عبير" إلى أن "عيادتها الطبية في الطابق الأرضي كانت تستضيف عددًا من الأطفال حديثي الولادة الضعاف، وتوفي بعضهم بعد إصابتهم بحمى شديدة". وقالت: "كانوا يحتاجون لرضعه كل 3 ساعات، ولم يكن هناك أحد للقيام بذلك"، وفق ما ذكرت عبير، التي تشغل منصب المديرة الطبية لدار المايقوما، لوكالة رويترز.

وفي مكالمة من مقر عملها، حيث كان بالإمكان سماع صرخات الأطفال في الخلفية، قالت: "حاولنا الاعتماد على مغذيات، لكن في معظم الأحيان لم نستطع أن ننقذ هؤلاء الأطفال".

أرقام مأساوية

وعن أعداد الأطفال الذين فقدوا حياتهم أوضحت الطبيبة "عبير عبدالله" أن "معدل الوفيات اليومي ارتفع إلى ما بين حالتين و4 حالات، وأحيانًا أكثر من ذلك"، وأن هناك ما لا يقل عن 50 طفلاً، من بينهم 20 رضيعًا على الأقل، توفوا في دار الأيتام في الأسابيع الستة منذ اندلاع الصراع في منتصف إبريل.

وأضافت: توفي يومي الأحد والاثنين 26 طفلاً في دار لرعاية فافدي السند في الخرطوم.

وأكد مسؤول كبير في دار الأيتام هذه الأرقام، فيما قال جراح تطوع للعمل بالدار خلال الاشتباكات إن عشرات الأيتام توفوا.

وكلاهما قالا إن الوفيات "كانت في الغالب لحديثي الولادة، ولآخرين تقل أعمارهم عن عام".

المصادر الثلاثة أشاروا إلى سوء التغذية والجفاف والإنتان (تعفن الدم) بوصفها أسبابًا رئيسية للوفيات، كما حدثت وفيات جديدة في اليومين الماضيين.

وذكرت وكالة رويترز أنها اطلعت على "7 شهادات وفاة مؤرخة بتاريخي السبت والأحد"، قدمتها هبة عبدالله، وهي يتيمة أصبحت فيما بعد واحدة من مقدمات الرعاية بالدار.

شهادات الوفاة أوضحت أنهم توفوا جميعًا "نتيجة هبوط حاد في الدورة الدموية"، كما ساهمت الحمى أو سوء التغذية أو الإنتان في وفاتهم جميعًا باستثناء حالة واحدة.

واعترف صديق الفريني، المدير العام لوزارة التنمية الاجتماعية بولاية الخرطوم، وهي الجهة التي تشرف على مراكز الرعاية، بارتفاع عدد الوفيات في دار المايقوما، وعزا ذلك إلى نقص الموظفين وانقطاع التيار الكهربائي المتكرر بسبب القتال.

وبدون تشغيل مراوح السقف ومكيفات الهواء تصبح الغرف ساخنة بشكل خانق في ظل حر شهر مايو بالخرطوم، كما يجعل انقطاع الكهرباء تعقيم المعدات أمرًا صعبًا.

وقال محمد عبد الرحمن، مدير الطوارئ في وزارة الصحة السودانية، إن فريقًا يحقق فيما يحدث في دار المايقوما، وسيصدر النتائج فور الانتهاء من التحقيق.

بلا رعاية

تُعرف دار المايقوما للأيتام رسميًّا باسم "دار رعاية الطفل اليتيم"، وهي عبارة عن مبنى مؤلف من 3 طوابق في وسط الخرطوم، وتقع على مقربة من مناطق القتال.

وتأسست دار المايقوما عام 1961، وتستقبل عادة مئات الأطفال سنويًّا، وفقًا لمنظمة أطباء بلا حدود الخيرية التي تدعم الدار.

تعاني الدار حتى من قبل اندلاع الصراع؛ إذ كانت تؤوي نحو 400 طفل دون سن الخامسة، والكثير منهم من الرضع.

ويعيش الأيتام في عنابر مكدسة في الدار، وتضم كل غرفة 25 طفلاً في المتوسط، وغالبًا ما يحمل السرير الواحد اثنين أو ثلاثة من الرضع، حسبما قال مسؤول بالدار وممرضات من منظمة "أطباء بلا حدود"، كن يعملن هناك العام الماضي.

وسجلت دار الأيتام موجات من الزيادات الحادة في حالات الوفاة على مَر السنين، وعانت مشكلات تتعلق بالنظافة وتدني أجور العاملين ونقص الموظفين ونقص التمويل اللازم للعلاج في المستشفيات، وفقًا لـ"أطباء بلا حدود".

"أطباء بلا حدود" أكدت أن دار المايقوما سجلت معدل وفيات بلغ 75 في المئة عام 2003.

ضحايا مجهولون

التداعيات الصحية التي فرضها الصراع طالت السودانيين من مختلف الأعمار؛ إذ حدثت وفيات أيضًا في أحد مراكز رعاية المسنين بالخرطوم، وفقًا لما قاله موظف الرعاية رضوان نوري. وتابع "نوري" بأن 5 من المسنين المقيمين في مركز "الضو حجوج" لقوا حتفهم بسبب الجوع ونقص الرعاية.

من جانبه، قال مدير وزارة التنمية الاجتماعية بالخرطوم "الفريني" إن الوفيات المبلّغ عنها في مركز رعاية المسنين ضمن "المعدل الطبيعي"، نافيًا وفاة أي من النزلاء بسبب الجوع.

السكرتير العام للجنة التمهيدية لنقابة أطباء السودان، عطية عبدالله، قال إن عدد القتلى من جراء أعمال العنف "لا يمثل سوى جزء بسيط من أولئك الذين يلقون حتفهم بسبب الأمراض"، مؤكدًا أن "الوضع الصحي يتدهور كل يوم".

ويعد السودان، الذي يبلغ عدد سكانه نحو 49 مليون نسمة، من أفقر دول العالم.

وأضر القتال بخدمات الرعاية الصحية الضعيفة أصلاً، وبخدمات أساسية أخرى، بما في ذلك المستشفيات والمطارات.

وكان ما يقرب من 16 مليون شخص بحاجة إلى مساعدات إنسانية قبل بدء الحرب. وتقول الأمم المتحدة إن هذا الرقم قفز الآن إلى 25 مليونًا.

ووفقًا لمنظمة الصحة العالمية، فقد توقف أكثر من ثُلثي المستشفيات في مناطق القتال عن العمل.

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org