"وكأنه ساحر".. صراع جيل الألفية وZ لتغيير الوظائف ورفض الولاء للشركات!

تطلعات مهنية ومادية تقابل "بيئة عمل" لم تعد تمنح "امتيازات" نالتها أجيال سابقة
الأجيال الشابة لم تعد تقبل البقاء في وظيفة واحدة طوال العمر
الأجيال الشابة لم تعد تقبل البقاء في وظيفة واحدة طوال العمر
تم النشر في

في ظل التحولات السريعة التي يشهدها سوق العمل، تتزايد التساؤلات حول مفهوم الولاء الوظيفي خاصة بين جيل الألفية والجيل Z؛ إذ أصبحت فكرة البقاء في وظيفة واحدة طوال الحياة، كما كان شائعًا في السابق، تتلاشى تدريجيًّا أمام واقع يفرض نفسه على الأجيال الشابة الذين يعتبرون تغيير الوظائف وسيلة لتحقيق تطلعاتهم المهنية والمادية بشكل أفضل ضمن بيئة عمل لم تعد تمنح نفس الامتيازات التي كانت تقدّمها للأجيال السابقة.

وتكشف دراسات حديثة أن نسبة كبيرة من الشباب يفكرون في ترك وظائفهم باستمرار؛ مما يعكس تحولًا جذريًّا في نظرتهم للعمل؛ فهل يعني ذلك أن عصر الولاء الوظيفي قد انتهى؟ أم أن هناك أسبابًا أعمق وراء تفضيلهم للتنقل بين الوظائف؟

وفي تقرير نشرته شبكة "سي إن بي سي" الأمريكية تحت عنوان: "خبراء موارد بشرية يؤكدون أن ولاء الشركة لا يجدي حيث يكتسب تغيير الوظائف شعبية بين الشباب"؛ ذكرت فيرا لاو، البالغة من العمر 27 عامًا، أنها عملت في ثلاث شركات مختلفة في ثلاث سنوات، ووصفها التقرير بأنها "جزء من جيل يبدو أنه يتحدى أفكار ولاء الشركة"؛ وفق ما نقله "اقتصاد سكاي نيوز عربية".

وقالت "لاو": "لا أعتقد أن الولاء يجدي، أنت قيم فقط طالما يرونك قيمًا، إذا لم تتعلم ولم تكسب، فقد حان الوقت للذهاب، لقد كان الوضع مختلفًا جدًّا في الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي؛ حيث كان الناس ممتنين فقط للحصول على وظيفة وكسب الراتب، الآن تغير منظورنا تجاه العمل".

ويُعرف جيل الألفية بالأشخاص الذين وُلدوا بين بداية الثمانينيات إلى البداية المبكرة من عام 2000، أما الجيل Z فهو الجيل الذي يلي جيل الألفية وتتراوح أعمارهم ما بين 15 و30 سنة، وهو جيل وُلد خلال فترة نمو رقمي سريع الخطى وبارع جدًّا في التكنولوجيا.

ووفقًا لدراسة أجرتها WorkProud في مايو 2024 واستقصت آراء 1000 موظف بدوام كامل؛ فإن 23% فقط من العمال الذين تبلغ أعمارهم 42 عامًا فأقل؛ أعربوا عن اهتمام قوي بالبقاء مع شركاتهم على المدى الطويل. وبالنسبة للعاملين الذين تبلغ أعمارهم 30 عامًا فأقل، انخفض ذلك إلى 18%.

وبحسب تقرير صدر في يوليو 2024 من Endowus وIntellect، والذي استقصى آراء 1000 موظف، فإن ما يصل إلى 43% من موظفي الجيل Z والألفية في هونغ كونغ وسنغافورة "يشيرون إلى أفكار متكررة لمغادرة وظائفهم؛ مما يؤكد النية الكبيرة للتسرب".

وقال ريك غارليك، الباحث الرئيسي في دراسة WorkProud: "تؤكد هذه النتائج الطبيعة المتطورة، أنه لا ولاء لمكان العمل؛ خاصة بين الموظفين الأصغر سنًّا، مع استمرار التركيز على عوامل مثل توازن العمل والحياة وثقافة الشركة بين القوى العاملة الشابة,, يجب على أرباب العمل تكييف استراتيجيات الاحتفاظ بهم لتلبية الاحتياجات والتوقعات المتطورة لهذه الفئة الديمغرافية".

تغيير الوظائف يكتسب شعبية بين الشباب

وفي الوقت الذي يبدو فيه أن تغيير الوظائف يكتسب شعبية، خاصة بين الشباب، أين يذهب الموظفون "الموالون"؟ هل الولاء يجدي في عالم الشركات؟

وفقًا لجيروم زاباتا، مدير الموارد البشرية في Kickstart Ventures، فإن "الإجابة القصيرة هي لا، من المحتمل أن يتم دفع رواتب أفضل للموظفين الذين يغيرون وظائفهم لأن زيادات الاستحقاق يمكن أن تصل إلى حد معين، ويمكن للمرشحين التفاوض من موقع قوة عندما ينضمون لأول مرة إلى شركة".

وأضاف زاباتا: "خلال الأجيال السابقة، إذا كنت تظل مخلصًا لشركة فسوف يعتنون بك مدى الحياة. الآن مزايا التقاعد ليست قابلة للعيش، بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يمنح تغيير الوظائف في وقت مبكر من مسيرة المرء الشخص، ميزة؛ حيث ينضم غالبًا بعد اكتساب المزيد من المسؤولية".

بينما نقلت الشبكة الأمريكية عن سوميتا تاندون، مديرة الموارد البشرية في آسيا والمحيط الهادئ في Linkedin أنه يجب على العاملين أن يوازنوا بين مزايا وعيوب تغيير الوظائف؛ حيث يمكن أن يكون التغيير مربحًا إذا كانوا يريدون استكشاف مسارات مهنية جديدة أو زيادة في الراتب، ولكن إذا قاموا بذلك كثيرًا، فيمكن أيضًا أن تكون الشركات حذرة في الاستثمار فيهم".

واقترحت تاندون أنه سيكون من الحكمة للموظفين التحقق مما إذا كانوا قادرين على تحقيق النمو الوظيفي من داخل شركاتهم الحالية من خلال مشاريع جديدة أو مرشدين، قبل التفكير في قرار تغيير الوظيفة.

تغيير الوظائف يشبه الحصول على أحدث الأجهزة الذكية

وفي حديثه لـ"اقتصاد سكاي نيوز عربية"، قال خبير الموارد البشرية المستشار عبدالرحمن عريف: "إن هناك تحولًا كبيرًا في نظرة الأجيال الشابة للعمل والولاء الوظيفي؛ فبينما يميل جيل الألفية إلى البحث عن الاستقرار الوظيفي والولاء للشركة التي توفر له وظيفة مستقرة ذات راتب مناسب لمستواه الاجتماعي؛ فإن الجيل Z يُظهر ميولًا أكبر نحو التغيير المستمر في الوظائف مواكبًا لنمط الحياة المتسارع".

ويشبّه "عريف" هذا التغيير بسعي الجيل Z الدائم للحصول على أحدث الأجهزة الذكية؛ حيث يبحثون باستمرار عن كل ما هو جديد وأفضل. هذا السلوك يدفعهم إلى تغيير وظائفهم بشكل متكرر، ولكن هذا لا يعني أن الشخص يكره عمله الحالي، بل يسعى نحو ما يعتقد أنه هو الأفضل له بحثًا عن فرص تطوير ذاتي أكبر وراتب أفضل.

نظرة إيجابية

ويرى خبير الموارد البشرية أن هذا التغيير ليس بالضرورة أن يكون سلبيًّا، بل على العكس قد يكون له جوانب إيجابية، مثل زيادة الإنتاجية والإبداع في مكان العمل؛ حيث إن الأجيال السابقة، ومنها جيل الألفية، كانت تخشى فقدان الوظيفة مما كان يقيد طموحاتها ويمنعها من تحقيق النجاحات؛ في حين أن هذا الجيل الجديد مستعد للتغيير وقتما يجد فرصة أفضل؛ مما يجعله أكثر قدرة على التطور والنجاح في مسيرته المهنية؛ بحسب تعبيره.

تطور الزمن يغير سلوكيات الموظفين والشركات

بدوره، قال الخبير الاقتصادي الدكتور محمد جميل الشبشيري: "مع تطور الزمن، تغيرت سلوكيات الموظفين وسياسات الشركات تجاه الاحتفاظ بالموظفين؛ حيث كان الاستقرار الوظيفي والاستمرار في العمل يعكس الوفاء والولاء والانتماء للشركات في ظل سياسات عادلة للأجور؛ مما يدفع الموظفين للاستمرار في وظائفهم؛ لكن الآن أثبتت الإحصاءات والدراسات خاصة للأجيال الشابة، أن التنقل بين الوظائف يمكن أن يساعد في زيادة الراتب، بينما الأشخاص الذين يبقون في وظائفهم لفترة طويلة لا يحققون نفس المكاسب المالية التي يحققها أولئك الذين يغيرون وظائفهم.

وأضاف "الشبشيري": "وفقًا لمجلة فوربس؛ فإن الموظفين الذين يبقون في شركة لأكثر من عامين، يحصلون على أجور أقل بنسبة 50% من نظرائهم الذين يتنقلون بين الوظائف، كما يشير مقال لكاميرون كينج صاحب كتاب (The Management Challenge) نشر في مجلة فوربس، إلى أن البقاء في نفس الشركة لأكثر من عامين في المتوسط سيجعل الراتب أقل على مدار الحياة بحوالى 50% أو أكثر".

توسيع المهارات يوفر فرصًا أفضل ورواتب أعلى

وأوضح أنه في ظل ندرة الوظائف وزيادة معدلات البطالة، أصبحت الوظائف والمهارات عرضة للتقادم بسبب التطورات السريعة والمتلاحقة في المعارف والمهارات. وينصح بأن يكون الموظف مثل المهاجر إلى بلد آخر، الذي يواجه صعوبة في العثور على وظيفة أو قد يتعرض للاستغناء عنه في أي وقت؛ لذا فإن توسيع المهارات والتعليم والحصول على شهادات مهنية معتمدة قد يوفر للموظف فرصًا أفضل ورواتب أعلى، كما يزيد من قدرته على إظهار مهاراته أمام الشركات الجديدة وكأنه ساحر يخطف أبصار مديري التوظيف.

أما عندما يقترب الموظف من فقدان تأثيره، يجب عليه أن يسعى لتغيير شركته ليقدم عرضًا (ساحرًا جديدًا) في شركة أخرى ويجدد حياته المهنية في مجال أفضل، بحسب الخبير الاقتصادي الشبشيري، الذي أكد أن التنقل بين الوظائف يعزز الابتكار بفضل تنوع الخلفيات المهنية؛ مما يساعد على اكتشاف الذات ويؤدي إلى التفكير الإبداعي؛ فضلًا عن أن التعرض لثقافات العمل المتعددة يفتح الأفق لرؤية الفرص التي قد لا يتمكن منها من لا يتعرض لتجارب متنوعة.

وأضاف: "رغم أن المال ليس الدافع الوحيد أو الأكبر للكثيرين، فإن البشر يسعون للشعور بالشغف تجاه عملهم، والمساهمة في تحقيق هدف ما، والشعور بالتقدير من الإدارة والزملاء والعملاء.. الشركات قد توفر أيضًا امتيازات إضافية لجذب الأفراد للبقاء، مثل المزايا، المكافآت، التوازن بين العمل والحياة، والفرص عن بُعد".

بينما قد يوفر البقاء مع صاحب عمل واحد الاستقرار والمواءمة الثقافية، فإن التنقل الاستراتيجي بين الوظائف يمكن أن يزيد بشكل كبير من إمكانية الكسب، والتسويق، والابتكار، وتؤكد ظاهرة "علاوة التبديل" على المزايا المالية لتنوع الخبرة المهنية.. وفي النهاية، يعتمد قرار تبني الولاء أو التنقل بين الوظائف على القيم الشخصية، والأهداف، والتغيرات المتواصلة لسوق العمل، طبقًا لما قاله "الشبشيري".

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org