لا تزل الاحتجاجات في الجامعات الأمريكية مشتعلة، وممتدة عبر نحو 20 حرماً جامعيّاً في 16 ولاية على الأقل، إذ أبدى الطلاب عدم تراجعهم عن الاحتجاج على الحرب الإسرائيلية الغاشمة على قطاع غزة، التي راح ضحيتها ما يزيد عن 35 ألفاً من الأبرياء.
وتنحصر مطالب المحتجين في الدعوة إلى وقف الحرب الإسرائيلية الإجرامية، والضغط على جامعاتهم بسحب استثماراتها من الشركات التي تساهم في العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة.
وبقدر ما أثارت الاحتجاجات الطلابية الملتهبة ردود فعل دولية، بقدر ما أثارت صدمة؛ نظراً لتعامل قوات الشرطة القمعي مع الاحتجاجات، واستخدامهم للهراوات، ورذاذ الفلفل، والقنابل المسيلة للدموع، وفي أحيان أخرى الاعتقال، فضلاً عن تهديد إدارات الجامعات الطلاب بالفصل، أو فصلهم بالفعل وإيقافهم عن الدراسة، من أجل وضع حد للمظاهرات والاعتصامات.
وطالت الاعتقالات حتى الوقت الراهن نحو 2000 طالب وعضو هيئة تدريس، ممن شاركوا في الاحتجاجات والاعتصامات داخل الحرم الجامعي، كما طال بعض الطلاب إيقافاً عن الدراسة.
قمع الاحتجاجات واستعانة الجامعات بعناصر الشرطة، الذين وطئوا الحرم الجامعي بالخيول حاملين الهراوات في مشاهد غريبة، ترك الكثيرين في حالة صدمة من اغتيال حرية التعبير التي يكفلها الدستور الأمريكي في "موطن الحرية".
وفقاً للدستور الأمريكي، فإن تعديله الأول يحمي حرية التعبير مهما كان محتواها جدلياً أو مُسيئاً، إذ ينصّ التعديل على أن: "لا يُصدر الكونجرس أي قانون خاص بإقامة دين من الأديان أو يمنع حرية ممارسته، أو يحد من حرية الكلام أو الصحافة، أو من حق الناس في الاجتماع سلمياً، وفي مطالبة الحكومة بإنصافهم من الإجحاف".
ويمنع التعديل الأول من الدستور الأمريكي اعتقال أي شخص لتعبيره عن رأيه، ولكنه، لا يحمي "أي شخص يمارس استهدافاً شخصياً عبر مضايقات أو تهديدات، أو من يخلق بيئة معادية واسعة النطاق ضد الطلاب المُستضعفين"، بحسب "الاتحاد الأمريكي للحريات المدنية".
بالتالي فإن التعديل الأول يصطدم بهذا البند الذي لا يحمي حرية التعبير عندما تستهدف أحداً شخصياً، وهو ما تحتج به الجامعات بأن الاحتجاجات "معادية للسامية"، وهو ما ينفيه المحتجون، ويجدونه مجرد مبرر لقمع احتجاجاتهم السلمية التي تناهض سياسات وأفعال إسرائيل الإجرامية، ولا تعادي اليهود.
كما تصطدم حرية التعبير في أمريكا بعدم إلزام الكيانات الخاصة بتطبيق التعديل الأول للدستور بحرفية، وإمكانية أن تفرض قيود أكثر صرامة على حرية التعبير مثل جامعة كولومبيا، ما يمنحها الحق في استدعاء الشرطة للمتظاهرين، وعدم السماح باعتصاماتهم، إلا أنه وللمفارقة فإن الجامعات الأخرى الحكومية، والملزمة بتطبيق التعديل الأول للدستور فيما يتعلق بحرية التعبير، أقدمت أيضاً على استدعاء الشرطة لفض الاحتجاجات بطريقة عنيفة، مثل جامعة تكساس.
وما بين هذا وذاك، تبقى القيم الأمريكية الأساسية كحرية التعبير في الميزان، خاضعة للمراقبة والحكم، من خلال الاحتجاجات الطلابية الممتدة عبر البلاد، وكيفية تعامل الشرطة معها.