ما بين ضربات مدفعية وصاروخية تسقط على الرؤوس، وذخيرة ورصاصات بندقية تخترق الأجساد، ترزح غزة تحت وطأة مستويات غير عادية من الجوع، مع اقتراب المجاعة شيئًا فشيئًا من القطاع الجريح وسط صمت دولي.
فمن سلم من القصف والعدوان العسكري لن يسلم من المجاعة التي باتت وشيكة في غزة، وأقرب من أي وقت مضى، وفقًا لتقديرات دولية عالية الموثوقية، نظرًا لضعف وتيرة إيصال المساعدات، والعراقيل التي يضعها الاحتلال الإسرائيلي أمام نفاذها.
ووفقًا لتحديث من مبادرة التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي، فإن أكثر من 495 ألف شخص، ما يمثل خمس سكان غزة، يواجهون مستويات "كارثية" توصف بأنها الأخطر من انعدام الأمن الغذائي.
كما أشار التقرير إلى أن المسار الأخير لتقديم مساعدات الإغاثة في غزة سلبي وغير مستقر إلى حد كبير.
وبحسب ما قال جاجان تشاباجين المدير التنفيذي للاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر، فإن الأزمة الغذائية في غزة وصلت إلى نقطة حرجة مع تزايد خطر الجوع يوميًا.
وأوضح "تشاباجين"، أنه لا تزال هناك حاجة ملحة إلى اتخاذ إجراءات فورية لمنع مزيد من الخسائر في الأرواح في غزة بسبب المجاعة، معبرًا عن شعوره بقلق بالغ إزاء القصف الأخير الذي وقع بالقرب من مكتب اللجنة الدولية للصليب الأحمر في غزة، الذي تسبب في أضرار وعرّض حياة مئات المدنيين النازحين الذين يعيشون في الخيام للخطر.
التحذيرات الدولية قابلتها تحذيرات أخرى محلية، فقد حذر المكتب الإعلامي الحكومي في غزة من تفاقم المجاعة بشكل خطير في القطاع بشكل عام ومحافظتي غزة والشمال بشكل خاص، مشيرًا إلى أن الأوضاع الإنسانية متدهورة بشكل خطير في محافظات قطاع غزة بسبب "منع إدخال المساعدات والغذاء والدواء كأداة للضغط السياسي".
وأكد المكتب الإعلامي أن شبح المجاعة "يكبر يومًا بعد يوم"، مما يُنذر بارتفاع أعداد الوفيات بسبب الجوع، خصوصًا بين أكثر من مليون طفل باتوا تحت التهديد المباشر لسوء التغذية، من بينهم 3500 طفل باتوا أقرب إلى الموت بسبب سوء التغذية، وانعدام الغذاء، وانعدام المكملات الغذائية، وانعدام التطعيمات.
ويعاني الآلاف من الأطفال في غزة بسبب سوء التغذية، الأمر الذي أودى بحياة نحو 30 طفلاً منذ بداية العدوان الإسرائيلي على القطاع في السابع من أكتوبر.
وتتراكم المساعدات الإنسانية على الرصيف العائم الذي أنشأته الولايات المتحدة، ونقلت شبكة "CNN" الإخبارية عن الجيش الأمريكي أنه نقل ما يوازي نحو 40 شاحنة مساعدات إنسانية عبر الرصيف العائم، لكنها مكدسة في انتظار من يتسلمها، في ظل تعليق برنامج الأغذية العالمي لجميع عمليات تلقي المساعدات بسبب مخاوف أمنية.
من جانب آخر، قال برنامج الأغذية العالمي إن بيئة العمل العدائية في قطاع غزة تجعل من المستحيل تقريبًا إيصال المساعدات.
وقال ستيفان دوجاريك المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة بدوره إن المخاطر المحدقة بالعاملين في المجال الإنساني في غزة أصبحت لا تطاق، في إشارة إلى المخاطر المحدقة التي يتعرض إليها العاملون على المساعدات في ظل عدوان إسرائيلي مستمر، واستهداف لقوافل الإغاثة.
ونتيجة لتكدس تلك المساعدات، فقد فقدت بعضها صلاحيتها، أو تعرضت إلى أشعة الشمس المباشرة ففسدت، الأمر الذي تسبب في إصابة بعض النازحين بالتسمم الغذائي.
ورصدت وزارة الصحة في قطاع غزة حالات تسمم غذائي بين النازحين في مدينة بيت لاهيا شمالي القطاع، بعد تناولهم أغذية منتهية الصلاحية، لافتة إلى أن أكثر من 60 نازحًا في مركز إيواء في بيت لاهيا، غالبيتهم من الأطفال، تعرضوا إلى تسمم غذائي نتيجة تناول أطعمة فاسدة.
وأرجعت لجنة الطوارئ في وزارة الصحة في غزة سبب تلف الأغذية إلى انتظار شاحنات المساعدات التي تحمل بداخلها معلبات لفترات طويلة تحت أشعة الشمس، ما أدى إلى فسادها.