
لماذا يتذكر الناس بعض الوقائع والأحداث وينسون وقائع وأحداثاً أخرى في حياتهم؟ تجيب ورقة بحثية في جامعة رايس الأمريكية على هذا السؤال الأساسي، كما تكشف عن العوامل التي تؤثر على الذاكرة البشرية.
وحسب مجلة "Cognitive, Affective & Behavioral Neuroscience"، المتخصصة في علم الأعصاب الإدراكي والعاطفي والسلوكي، تطرح الورقة البحثية بجامعة رايس في ولاية تكساس الأمريكية، الأسئلة الجوهرية المتعلقة بالذاكرة، وهي: "ماذا نتذكر؟ ومتى حدث؟ وأين؟"، مؤكدة أن البحث يركز على الاختلافات الفردية المؤثرة في الذاكرة.
وحسب موقع "ميديكال إكسبريس" الطبي، قامت الباحثتان فرناندا موراليس كالفا، طالبة الدراسات العليا في العلوم النفسية بجامعة رايس، وستيفاني ليل، أستاذة مساعدة في العلوم النفسية، بفحص الدراسات السابقة التي تناولت الذاكرة، وقامتا بإنشاء تحليل شامل لـ "الأسئلة الثلاثة" للذاكرة - ماذا وأين ومتى نتذكر؟" من أجل الإجابة على السؤال المركزي حول سبب تذكر الناس.
على وجه التحديد، يستكشف الباحثون كيف تتسبب الأهمية العاطفية للحدث والأهمية الشخصية له والاختلافات الفردية على قدرة الشخص على الاحتفاظ بالحدث في ذاكرته، وهي طريقة عكس الدراسات التجريبية، التي تجمع مراجعة النتائج الموجودة كما هي وتفسرها من أجل فهم الذاكرة.
وقامت الباحثتان بتصنيف أبحاث الذاكرة إلى ثلاثة مجالات أساسية ركزت على ما يتذكره الناس وأين ومتى.
ووجدت الباحثتان "كالفا "و"ليال" أن الذكريات تتشكل غالبًا من خلال أربعة عوامل تؤكد أهمية الحدث، وهي:
- المحتوى العاطفي للحدث (كموت شخص مثلا )
- الأهمية الشخصية للحدث ( مثل مدى قرب الميت من شخص يتذكره )
- مدى تكرار الحدث (كاعتياد مقابلة شخص ما).
- مدى انتباه الشخص لما يحدث.
على سبيل المثال، من المرجح أن يتذكر الأفراد الأحداث ذات الرنين العاطفي العميق (كموت شخص أو مشاهدة حادث مروع لحظة حدوثه)، والانتباه للتفاصيل التي يركزون عليها بنشاط.
ومع ذلك، فإن ما نتذكره يتأثر أيضًا بعوامل مثل مكان حدوث الحدث، والتي تتم دراستها فيما يُعرف بالذاكرة المكانية لدى الحيوانات (التي تعود إلى أماكن تعرفها بعد فترة من الزمن)، وقال الباحثون إنها أيضًا جانب مهم مما نتذكره ينطبق على التجارب البشرية، فالبيئات الجديدة تحتاج من الشخص اهتمامًا أكبر حتى يتذكر الحدث، (مثلاً عندما يقع حادث في مكان جديد لا يعرفه الشخص)، ولهذا تبقى الذكريات الأقوى إذا وقع الحدث في مكان نعرفه ومألوف لدينا (كموت الجد في بيت العائلة).
وأخيرًا، قال الباحثون إن وقت حدوث الحدث يحدث فرقًا فيما يتذكره الناس، حيث يلعب التوقيت دورًا حاسمًا دورًا حاسمًا في الذكريات، وقيام الأفراد بوضع تسلسل الأحداث والتعرف على الانتقالات بينها في الذاكرة، ويمكن أن يحدث هذا على المستوى اليومي لتسلسل أحداث ما، كوقوع حادث وقت الذهاب للعمل أو وقت العودة من العمل، أو وفاة شخص ليلة عيد الأضحى قبل أن يذبح أضحية أعدها، ولهذا تقوم ذاكرة الانسان بتقسيم الأحداث المحددة إلى حلقات مميزة وبالتالي يمكن أن يكون من الأسهل على الأفراد تذكرها.
وبالإضافة إلى ما يتعلق بالذاكرة، قالت "كالفا": إن الظروف الفردية، بما في ذلك الاختلافات الثقافية والشخصية والمعرفية، يمكن أن يكون لها تأثير كبير في تشكيل كيفية تذكر الأفراد.
وأضافت "كالفا": "الذاكرة ليست ظاهرة واحدة تناسب الجميع. ما لا يُنسى لشخص ما قد يكون قابلاً للنسيان تمامًا لشخص آخر اعتمادًا على خلفيته الفريدة وأولوياته المعرفية".
وقالت الباحثتان إن فحص سبب تذكرنا لتجارب معينة على غيرها يمكن أن يكون له آثار كبيرة على إعداد أمور تعتمد على الذاكرة، وعلى سبيل المثال، تعتمد تقييمات الذاكرة المهنية (كاختبارات المعلمين أو الأطباء ) على اختبارات موحدة تتجاهل الاختلافات الفردية الحرجة، ولهذا قد تسفر مثل هذه الاختبارات عن نتائج منحرفة عند تطبيقها على مجموعات متنوعة، مما يسلط الضوء على الحاجة إلى مناهج أكثر تفصيلاً تراعي الفروق الشخصية.
أيضًا تؤكد الباحثتان أنه مع تقدم سكان العالم في السن وانتشار ضعف الذاكرة بشكل متزايد، فإن فهم العوامل المحددة التي تشكل الذاكرة يمكن أن يفيد التدخلات في حالات مثل الخرف والتدهور المعرفي.
وأخيرًا تسلط هذه الورقة البحثية الضوء على أهمية مراعاة الذاتية والسياق في أبحاث الذاكرة"، وكما قالت "ليل": "من خلال مراعاة هذه المتغيرات، يمكننا تطوير أدوات دراسة الذاكرة وتشخيصها بصورة أكثر دقة وتدخلات فعالة".