لكل جائزة جوانب إيجابية وأحيانًا أخرى سلبية، حتى الجائزة الأشهر في العالم "نوبل"، يمكن أن تصيب العلماء اللامعين بـ"الجنون" بعد الفوز بها، حسب تقرير على موقع "روسيا اليوم".
وحسب التقرير، يبدأ في 2 أكتوبر أسبوع نوبل العالمي وستعلم البشرية أسماء العلماء الذين حققوا اكتشافات أساسية غيّرت أفكارًا علمية من حولنا.
وليست جائزة "نوبل" جائزة نقدية تبلغ قيمتها حوالي مليون دولار فحسب، بل وأعلى درجة من التقدير، حيث يصبح الحائز على الجائزة فخرًا للأمة وسلطة أخلاقية لا جدال فيها. لكن كل ميدالية لها جانب آخر، وللجائزة الفكرية الرئيسية كذلك جانبها السلبي.
ليس من المعتاد الحديث عن هذا الأمر، ولكن المجتمع العلمي غالبًا ما يطلق على جائزة "نوبل" اسم "قاتل العلماء". هذا، بالطبع، لا يتعلق بالقضاء الجسدي على عمالقة الفكر، وعلى العكس من ذلك، يعيش الحائزون على جائزة "نوبل" في المتوسط أطول لمدة عاميْن من زملائهم في المهنة. بينما يصاب العباقرة بمرض خطير يسمى بـ"مرض نوبل". ويتجلى هذا الفيروس على شكله الخفيف في انخفاض حاد للإنتاجية، ونتيجة لذلك يفقد المفكرون المتميزون قيمتهم للعلم. وفي بعض الحالات ينتقل هؤلاء إلى جانب المشعوذين، إي إنهم يتحدثون عن هراء مطلق ويقومون بترويج نظريات مناهضة للعلم.
وأصاب هذا المرض حتى ألبرت أينشتاين العظيم، الذي كان تاريخه في جائزة "نوبل" مثيرًا للغاية. وتم إدراج اسمه لأول مرة في القائمة المختصرة للجائزة عام 1910. وبعد ذلك في كل عام (ما عدا عامي 1911 و1915) كان أينشتاين من بين المرشحين، حتى وجدت الجائزة أخيرًا بطلها عام 1921. وكانت لجنة "نوبل" تؤجل منحها لسبب واحد بسيط: فقد تبيّن أن الفيزيائي الألماني كان بارعًا إلى درجة أن الأكاديميين لم يكونوا أذكياء بالدرجة الكافية لفهم الأهمية الثورية لبحثه العلمي.
وكان لدى أينشتاين ثلاثة أعمال على الأقل من عيار نوبل. ومن أحدها بدأت النظرية النسبية، والآخر وضع أسس نظرية الكم، والثالث أوضح مفهوم الحركة البراونية. ونتيجة لذلك، فعندما أصبح من غير اللائق تمامًا تجاهل أينشتاين، نال جائزة "نوبل" لقاء اكتشافه لنظرية التأثير الكهروضوئي، (أدى هذا الاكتشاف إلى ظهور المعالجات الدقيقة وثورة الكمبيوتر). ولم يكن الأمر ثوريًا جدًا، لكن أعضاء اللجنة استطاعوا فهمه.
وفي عام 2021 بلغ آينشتاين من عمره 42 عامًا، وهو شاب مملوء بالقوة ومستقل ماليًا.. لكن آلية طباعة الأعمال الرائعة توقفت. وبعد انتصاره، قرر أينشتاين ألا يضيع وقته في تفاهات وأمضى آخر 30 عامًا من حياته في خلق "نظرية كل شيء". وأطلق عليها ألبرت اسم "نظرية المجال الموحد"، وأوضح أن معناها هو "الزواج" بين الكهرباء والجاذبية. لقد بذل أينشتاين جهودا جبارة، حتى عندما وجد نفسه في المستشفى في نهاية أيامه، طلب إحضار آخر حساباته. وتم العثور على هذه الأوراق على طاولة بجانب السرير عندما توفي الفيزيائي العظيم ليلة 18 أبريل 1955. وفي السنوات الأخيرة، عاش مع شعور باليأس لأنه ضاع 30 عامًا من حياته عبثًا.
مُنحت جائزة "نوبل" في الفيزياء للإنجليزي بريان جوزيفسون عام 1973 لقاء العمل الذي أنجزه عندما كان عمره 22 عامًا. وكان أمامه عدة عقود من النشاط المثمر، وكان يتوقع من العبقري الشاب أن يطرح أفكارًا جديدة مذهلة. وبدلاً من ذلك، أمضى جوزيفسون الأربعين سنة المتبقية في إهانة العلم البريطاني بلا هوادة. وبدأ بترويج أفكار التأمل التجاوزي، ثم أطلق في جامعة "كامبريدج" برنامجًا بحثيًا حول "الروابط بين ميكانيكا الكم والعقل". وأعلن أنه لن يدخر أي جهد لضمان "بقاء بريطانيا العظمى في طليعة الأبحاث في مجال التخاطر".
لكن الفضيحة الرئيسية ارتبطت بشغف بريان بنظرية "ذاكرة الماء". وهذا المفهوم يكمن وراء المعالجة المثلية، وهو فرع من الطب البديل لم يتم إثباته علميًا. ومعنى النظرية هو أنه من المفترض أن يتذكر الماء الخواص الكيميائية للمواد الذائبة فيه. وأعلن جوزيفسون أنه مستعد لإثبات قضيته تجريبيًا.
وقال العالم إن "ذاكرة" الماء في محلول المعالجة المثلية لها "توقيع" كهرومغناطيسي، وأضاف أنه يمكن التقاط هذا التوقيع على ملف نحاسي، ورقمنته ونقله عبر سلك أو عبر الإنترنت إلى وعاء به ماء عادي، وتحويله إلى محلول المعالجة المثلية.
والخلاصة تنحصر في أن العبقرية والإسراف غالبًا ما يسيران جنبًا إلى جنب. وفي البداية، يأتي إلينا العديد من الأفكار الرائعة على شكل هذيان. ولتمييز القمح عن التبن، يحتاج العلماء إلى تفكير نقدي متطور. ويؤدي نجاح جائزة "نوبل" إلى إضعاف قدرة العباقرة على إدراك أنفسهم بشكل نقدي، وهم يعتقدون أن الحائز على جائزة نوبل غير قادر على قول شيء غبي، ويقع على الفور في فخ أوهامه.