يستمر انتشار فيروس جدري القردة في إفريقيا، حيث تسجّل القارة حالياً حالات أكثر بكثير مما سجّلته خلال السنوات السابقة، مما دفع السلطات الصحية العالمية إلى دق ناقوس الخطر، خصوصاً بعد انتقال الفيروس لدول كانت بمنأى عنه سابقاً.
بلغت حالات الإصابة بفيروس جدري القردة المعروف بـ"mpox" في إفريقيا نحو 15 ألف حالة هذا العام، متجاوزة بذلك العدد الإجمالي لعام 2023 بأكمله.
وبحسب تقرير لصحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية، تتركز الإصابات في جمهورية الكونغو الديمقراطية، حيث كان جدري القردة مستوطناً منذ عقود، لكنه انتشر أخيراً في دول لم تسجل تفشياً من قبل، بما في ذلك كينيا وساحل العاج.
والأسبوع الماضي، قال مسؤولون إن سلطات الصحة في قارة إفريقيا ستعلن على الأرجح حالة الطوارئ الصحية هذا الأسبوع.
بدوره، أعلن المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، تيدروس أدهانوم غيبريسوس؛ أنه سيدعو لجنة للنظر في إعلان حالة طوارئ صحية عالمية أخرى.
وفي الوقت ذاته، أصدرت مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها في الولايات المتحدة تحذيراً حثّت فيه الأطباء على مراقبة الأعراض لدى المسافرين القادمين من الدول المتضررة مع التأكيد على أن الخطر لا يزال منخفضاً في البلاد.
وانتشر جدري القردة بشكلٍ كبيرٍ عام 2022 في عشرات الدول التي نادراً ما واجهت الفيروس، مما دفع إلى استجابة صحية عامة قوية وحملة تطعيم مكثفة ساعدت على التخفيف من حدة انتشار الفيروس.
وأدّت التطورات الأخيرة في الكونغو، حيث تمّ اكتشاف الفيروس لأول مرة عام 1970، إلى إثارة مخاوف جديدة بعدما أبلغت السلطات عن تسجيل 13800 حالة مشتبه فيها ومؤكدة و450 حالة وفاة.
جدرى القرود هو فيروس يسبّب أعراضاً عدة؛ بينها الحمّى، وكذلك طفح جلدي يشبه الدمامل.
وعادة ما يكون المرض خفيفاً، على الرغم من وجود سلالتين رئيستَيْن منه تتباينان في الخطورة، وهما سلالة الكونغو، وهي أكثر شدة، مع نسبة وفيات تصل إلى 10%، وسلالة غرب إفريقيا، التي لديها معدل وفيات لا يتعدّى نحو 1% من الحالات.
وتمّ الإبلاغ عن حالات من هذه السلالة في بريطانيا.
ويمثل الأطفال دون سن الخامسة 68 بالمئة من الإصابات و85 بالمئة من الوفيات، وفقاً لمراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها في إفريقيا.
ووفق "واشنطن بوست"، فإن معظم الإصابات تنتشر من خلال الاتصال بالحيوانات المصابة وداخل الأسر، وهي الطرق المعتادة للتعرُّض في المناطق الموبوءة.
لكن ظهر شكل جديد من جدري القردة يُعرف باسم السلالة "1b"، في الأجزاء الشرقية من الكونغو، وفي كينيا ورواندا وأوغندا، حيث ينتشر عن طريق الاتصال الجنسي، وفق الصحيفة.
وتسبّب السلالة "1b" أعراضاً أكثر شدة من سلالة "2" التي انتشرت عالمياً عام 2022، لكنها ذات معدل وفيات منخفض حيث تقتل أقل من 1 بالمئة من الأشخاص المصابين، وفقاً لمراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها.
ونقلت "واشنطن بوست" عن رئيسة قسم الجدري وداء الكلب في مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها بالولايات المتحدة، كريستينا إل هوتسون؛ قولها "إنه مصدر قلق الآن؛ لأنه ينتشر جنسياً مما يجعله أكثر خطورة".
ووجد المسؤولون في إفريقيا انتشاراً للمرض من خلال العلاقات الجنسية، بما في ذلك العاملات في مجال الجنس بأجزاءٍ من الكونغو.
ونقلت الصحيفة الأمريكية ذاتها عن، آن ريموين؛ عالمة الأوبئة التي تدير معسكر أبحاث بالكونغو ودرست الفيروس هناك لأكثر من عقدين، قولها "إن الانتقال الجنسي في المناطق التي يوجد فيها الكثير من حركة السكان أمر مثير للقلق بشكل خاص بالنظر إلى الآثار المترتبة على الانتشار السريع".
وأضافت: "ينتقل جدري القردة بكفاءة عالية من خلال الاتصال الجنسي".
كما ينتشر الفيروس في إفريقيا بطرقٍ لا تكون موجودة عادة في الدول المتقدمة، بسبب قلة إمكانات حصول العاملين في الرعاية الصحية على معدات الوقاية الشخصية أثناء علاج المرضى، فضلاً عن عيش الناس داخل منازل صغيرة، وتفشي المرض بمخيمات النازحين في مناطق الصراعات، بحسب "واشنطن بوست".
وفي حين يعد التهديد للدول الغربية منخفضاً، فإن الدول الإفريقية التي تتحمّل وطأة تفشي المرض لا تمتلك إمدادات كافية من اللقاحات والأدوية المضادة للفيروسات التي ساعدت على إنهاء حالة الطوارئ الصحية الدولية العام الماضي.
ويعد توزيع اللقاح "كابوساً لوجستياً" في الكونغو وأجزاءٍ أخرى من إفريقيا، بحسب "واشنطن بوست"، حيث يعاني نظام الرعاية الصحية نقصاً شديدا في الإمكانات، مع صعوبة الوصول إلى بعض المجتمعات الريفية المتضررة بشدة.
وقال مدير عام منظمة الصحة العالمية، في وقت سابق، إنه اتخذ خطوات لتسريع الوصول إلى اللقاح في البلدان ذات الدخل المنخفض، حيث لم توافق الجهات التنظيمية على اللقاح بعد.
كما تتعاون مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها في الولايات المتحدة مع المسؤولين في الكونغو لوضع خطة لاستهداف الأشخاص الأكثر عُرضة للإصابة بجدري القردة وتوزيع اللقاحات على مراحل بمجرد موافقة البلاد على اللقاح.
وقالت ريموين؛ إن هذه الحملة يمكن أن تبدأ في وقتٍ مبكرٍ من الخريف.
وأضافت: "العدوى في أي مكان هي عدوى محتملة في كل مكان، وهذا بالضبط ما رأيناه مع جدري القردة عام 2022. إنها لحظة حرجة من أجل العمل بسرعة ويقظة دون إضاعة الوقت".