بعدما طرحت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) مناقصة طارئة لتأمين لقاحات جدري القردة للدول المتضررة، كشف تقرير لوكالة "رويترز" عن أسبابٍ تفسر تأخر إفريقيا في توفير لقاحات جدري القردة.
وكانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) قد طرحت أمس السبت، مناقصة طارئة لتأمين لقاحات جدري القردة للدول المتضررة من الأزمات بالتعاون مع تحالف اللقاحات (غافي) ومراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها في إفريقيا ومنظمة الصحة العالمية.
وجاء في بيان مشترك للمنظمات أنه يمكن إبرام اتفاقيات لما يصل إلى 12 مليون جرعة حتى 2025، اعتمادًا على القدرة الإنتاجية للمصنعين.
وحسب وكالة "رويترز"، فعدوى جدري القردة ليست جديدة على إفريقيا، ومع ذلك ليس لدى دول القارة لقاح فعال؛ وهو ما يكشف عن التفاوت الكبير في التوزيع العالمي للقاح حيث تقوم عشرات الدول الغنية بتلقيح الأشخاص الذين يواجهون مخاطر أقل بكثير.
يقول الخبراء: إن هذه التفاوتات -إلى جانب المشاكل الصحية المختلفة والتنظيم البطيء- تُعَرض ملايين الأفارقة للخطر، خاصة بعد أن اكتشف العلماء أن الفيروس يتحور بسرعة الآن، وينتقل من شخص لآخر ويعبر الحدود.
وقالت دودوزيل ندوادوي، عالمة في مجلس البحوث الطبية بجنوب إفريقيا (SAMARA)، في تصريحات لمنصة "تومسون رويترز": إن "نقص توزيع لقاحات جدري القردة في إفريقيا يرجع إلى تحديات في الإمداد والتمويل والبنية التحتية، ولأن المرض أقل انتشارًا مقارنة بأولويات صحية أخرى".
وكان جدري القردة منتشرًا في جمهورية الكونغو الديمقراطية مثلًا، منذ يناير من العام الماضي، لكنه لم يصبح مصدر قلق كبير إلا في يناير من هذا العام عندما لاحظ العلماء الطفرة الجديدة والمقلقة.
وتَوفر لقاحان لجدري القردة من إنتاج شركة بافاريان نوردك الدنماركية وشركة KM Biologic اليابانية لمكافحة تفشي المرض، في عام 2022، في ما لا يقل عن 70 دولة خارج إفريقيا، وقد تم تقديمه مجانًا في بعض العيادات في الولايات المتحدة وأوروبا.
ولكن قبل أن تتلقى نيجيريا 10 آلاف جرعة من الولايات المتحدة هذا الأسبوع؛ لم يكن هناك أي لقاح متاح لجدري القردة، في أي بلد في إفريقيا، والسلالة المنتشرة الآن من بين السكان والنازحين في جمهورية الكونغو الديمقراطية تُعد أكثر شراسة من السلالات السابقة، بحسب "رويترز".
وفي حديث لـ"رويترز"، وصف جيمي ويتوورث، أستاذ علم الأوبئة في كلية لندن للصحة وطب المناطق الحارة، المتغير الجديد، المعروف باسم "clade 1b pox"، بأنه "قاتل إلى حد ما".
وقال "ويتوورث": إن التكلفة البالغة 100 دولار لتوزيع جرعة من اللقاح، تُشَكل عبئًا كبيرًا على الحكومات التي يجب عليها مواجهة تهديدات متعددة مثل الحصبة والملاريا والكوليرا بميزانيات محدودة.
وأضاف: "إنه أمر مكلف للغاية لتلقيح جمهورية الكونغو الديمقراطية فقط. إذا سألت الناس هناك عن العام الماضي: ماذا كانت الأولوية الأعلى؟ هل كان لقاح الحصبة أم لقاح جدري القردة؟ كانوا سيقولون لقاح الحصبة".
تجدر الإشارة أولًا إلى أنه على الرغم من خطورة أزمة جدري القردة وخطر انتشاره عبر حدود جمهورية الكونغو الديمقراطية؛ لم يوافق المنظمون المحليون على اللقاح إلا في يونيو، ولم يتم تحديد موعد لتوزيعه حتى الآن.
وهناك ثلاثة لقاحات محتملة ضد جدري القردة، لكن واحدًا منها غير موصى به للاستخدام الواسع بسبب آثاره الجانبية المحتملة.
وهناك لقاح آخر من اليابان يواجه مشكلات إنتاجية، واللقاح الوحيد المستخدم حاليًا هو Imvanex (JYNNEOS) من شركة بافاريان نورديك الدنماركية.
تستطيع شركة بافاريان نورديك إنتاج ما بين 30 إلى 40 مليون جرعة سنويًّا، ولكن هناك شكوكًا حول قدرتها الفعلية على تحقيق هذا الرقم، ويعتقد أن الإنتاج الفعلي قد يكون حوالى 20 مليون جرعة سنويًّا؛ وفق ما ذكره موقع الإذاعة الوطنية الأمريكي "إن بي آر".
وردًّا على رسالة إلكترونية للموقع، قال متحدث باسم أفاريان نورديك: إن الشركة لديها القدرة على إنتاج ما بين 30 إلى 40 مليون جرعة من لقاح "Jynneos" سنويًّا.
ونوه بأنه مع نظام الجرعتين الموصى به، سيكون ذلك كافيًا ليشمل ما بين 15 إلى 20 مليون شخص.
ونوه الموقع بأن من المفترض أن يتم زيادة عدد الأفراد المشمولين ليصلوا إلى 100 مليون شخص إذا اتبعت دول أخرى ما بادر به مسؤولو الصحة الأمريكيون، الذين وافقوا على خطة لخفض كل جرعة بحوالى الخمس باستخدام طريقة مختلفة لحقن اللقاح؛ من أجل الحصول على أقصى فائدة من الجرعات المتوفرة أصلا في البلاد.
تحدث الموقع الأمريكي مع الأخصائي مات لاينلي، الذي يعمل مع "Airfinity"، وهي شركة لتحليل البيانات تتخذ من لندن مقرًّا وتتخصص في تتبع عمليات إنتاج لقاحات جدري القردة وإيصالها، والذي يشكك في أن القدرة الإنتاجية لبافاريان نورديك عالية كما تدّعي الشركة.
ورجّح أن يكون كم الإنتاج أقل مما استعرضته الشركة؛ لكنه نوّه بأنه "مع التعقيدات الأولية التي كانت لديهم ونقص البيانات التي لدينا (من الشركة)؛ من الصعب التوصل إلى تقدير مناسب".
وإذا استهدفت اللقاحات فئة الرجال الذين يمارسون الجنس مع رجال آخرين، والتي قد تشمل 18 مليون شخص عالميًّا، فقد يتمكن الإنتاج الحالي من تلبية الحاجة إذا تطلب الأمر تطعيم جزء من هذه الفئة فقط.
ومع ذلك، إذا تطلب الأمر تطعيم جميع أفراد الفئة المستهدفة أو توسيع نطاق التطعيم ليشمل العاملين في الرعاية الصحية أو الأطفال؛ فإن العرض قد لا يكفي.
وحتى الولايات المتحدة، التي لديها أكبر عقد مع بافاريان نورديك، تواجه صعوبة في الحصول على الجرعات؛ حيث لم تستلم سوى 1.1 مليون جرعة حتى الآن، ويتم العمل على تسريع الإنتاج واختبار الجرعات المنتهية صلاحيتها لتلبية الحاجة.