بطريقة مفاجئة اشتعلت الجامعات الأمريكية، وانتفض طلابها منددين بالحرب الإسرائيلية الغاشمة، والمطالبة بسحب الأموال من الكيانات المرتبطة بإسرائيل، في ظل كارثة إنسانية يعيشها قطاع غزة على وقع الانتهاك والإبادة اللذين يمارسهما جيش الاحتلال في القطاع الجريح.
وعلى مدى نحو أسبوعين تزايدت وتيرة المظاهرات والاعتصامات الطلابية؛ ما حدا بجامعات عدة إلى استدعاء الشرطة للمتظاهرين، وأدى إلى اعتقال المئات في جميع أنحاء البلاد، منذرة بانفلات الأمور، وتوسع الاحتجاجات في ظل تعامُل الشرطة العنيف مع الطلاب المتظاهرين.
التهاب المظاهرات وازدياد حدتها دفعا رئيس مجلس النواب الأمريكي مايك جونسون، خلال زيارة إلى جامعة كولومبيا، إلى التهديد بقدرته على أن يطلب من الرئيس جو بايدن تعبئة الحرس الوطني في الجامعات التي تعاني "فيروس معاداة السامية"، على حد تعبيره.
منذ أقل من أسبوعين اندلعت مظاهرات واحتجاجات ضد الدعم الأمريكي لإسرائيل، وللمطالبة بسحب جامعاتهم استثماراتها في تل أبيب.
وشارك في المظاهرات طلاب وأعضاء هيئة تدريس في جامعة كولومبيا في مدينة نيويورك. واستدعت إدارة الجامعة قوات الشرطة لفض الاحتجاجات والاعتصامات بالقوة؛ ونتيجة ذلك انتشرت المظاهرات والاعتصامات في عدد من الجامعات في مناطق مختلفة من البلاد بعد حشد مكثف على مدار الأيام الماضية على منصات وشبكات التواصل الاجتماعي، ومن ثم انتقلت حمى المظاهرات لتعم أرجاء البلاد وتتوسع؛ إذ شهد عدد من الكليات والجامعات الأخرى، منها: كلية بارنارد النسائية، وجامعات ولاية أريزونا، وهارفارد، ودنفر، وإيموري، وجورج واشنطن، وكذلك جامعة ولاية أوهايو، ونورث كارولينا، وجنوب كاليفورنيا، وتكساس، وفرجينيا للتكنولوجيا، وييل، مظاهرات واعتصامات مماثلة داعية لإنهاء الدعم الأمريكي لإسرائيل.
ونصب الطلاب وأعضاء هيئة التدريس خيامهم في قلب الحدائق الملحقة بالحرم الجامعي، ورفعوا اللافتات المناهضة للحرب الإسرائيلية في غزة، والمنددة بالدعم الأمريكي الواسع لإسرائيل في حرب الإبادة الجماعية التي يمارسها الاحتلال ضد سكان غزة البالغ عددهم نحو مليونَي.
وتتحجج إدارات الجامعات بأن المظاهرات معادية للسامية، فيما نفى النشطاء والطلاب أن تكون الاحتجاجات معادية للسامية، لافتين إلى أن هدفها هو الضغط على الجامعات حتى تسحب استثماراتها من الشركات التي تساهم في العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة؛ ما ترك البلاد في حالة انقسام.
الحراك الطلابي الأمريكي واجهته إدارات الجامعات بالقمع؛ إذ استدعت قوات الشرطة على الفور ليطؤوا بجيادهم حرم الجامعات، ويفضوا اعتصامات الطلاب السلمية للتنديد بالإجرام الإسرائيلي بالهراوات والقوة المفرطة.
واشتكى المتظاهرون من استخدام الشرطة القوة المفرطة؛ إذ استخدمت السلطات، بناء على طلب من إدارات الكليات، مسدسات الصعق الكهربائي والغاز المسيل للدموع، بما لا يتناسب مع طبيعة المظاهرات والاعتصامات السلمية التي يكفل حقها الدستور والقانون الأمريكي.
واعتقلت الشرطة حتى الوقت الراهن نحو 600 طالب وعضو هيئة تدريس عبر البلاد بعد مواجهات قوية بين المتظاهرين والقوات، فيما أغلقت بعض الجامعات حرمها الجامعي تخوفًا من الإصابة بعدوى المظاهرات التي تنتشر كالنار في الهشيم عبر الولايات المتحدة، ولا يعرف مداها إلا الله.
وأثار استخدام الشرطة القوة في فض المظاهرات حنق وغضب المنظمات الحقوقية؛ إذ نددت منظمة هيومن رايتس ووتش، واتحاد الحريات المدنية الأمريكي، باعتقال المتظاهرين، وحثَّا السلطات على احترام حقوقهم في حرية التعبير.
وأعلنت منظمة "فلسطين القانونية" أنها قدمت شكوى اتحادية متعلقة بالحقوق المدنية ضد جامعة كولومبيا عقب اعتقال عشرات المحتجين المناهضين للحرب على غزة.
وندد مجلس الشؤون الإسلامية في أمريكا بالحملة الأمنية ضد المحتجين من طلبة الجامعات، ووصفها بـ"عسكرة" المؤسسات التعليمية، وقال في بيان إن "عسكرة المؤسسات التعليمية ونشر الشرطة ضد محتجين سلميين من الطلبة تطور مثير لقلق عميق". كما دعا "المجلس" قيادة جامعة كولومبيا إلى معارضة التهديد بنشر الحرس الوطني.
ووفقًا للدستور الأمريكي، فإن المظاهرات جزء من "حرية التعبير"؛ إذ يحمي التعديل الأول للدستور الأمريكي حرية التعبير مهما كان محتواها جدليًّا أو "مسيئًا".
وينص التعديل على أن "لا يصدر الكونجرس أي قانون خاص بإقامة دين من الأديان يمنع حرية ممارسته، أو يحد من حرية الكلام أو الصحافة، أو من حق الناس في الاجتماع سلميًّا، وفي مطالبة الحكومة بإنصافهم من الإجحاف".
ويستند الطلاب إلى الدستور الأمريكي، والحقوق التي كفلها لهم في مظاهراتهم واعتصاماتهم، ولاسيما إنها سلمية، ولا تستخدم أو تدعو إلى العنف ضد أي كائن مَن كان.