ركب مارك روته دراجته، وغادر الأسبوع الماضي، في خروج منسق بعناية من السياسة الهولندية، التي هيمن عليها كرئيس للوزراء لمدة تقارب 14 عاماً، وستكون وظيفته القادمة أكثر تحدياً: سيكون الرئيس الجديد لحلف شمال الأطلسي "الناتو"، الذي يواجه تهديدات تتراوح بين العدوان الروسي، وصعود القومية اليمينية في جميع أنحاء أوروبا.
وسيجلب "روته"، المعروف بأنه براغماتي مرن، خبرته في التوفيق إلى التحالف العسكري المكون من 32 دولة عندما يتولى منصب الأمين العام خلفاً لينس ستولتنبرغ في 1 أكتوبر، وبينما يحتفل بالذكرى السنوية الـ75 لتأسيسه في قمة في واشنطن التي تنطلق اليوم (الثلاثاء)، وجد "الناتو"، الذي تأسس لردع الاتحاد السوفيتي السابق من مزيد من التوسع في أوروبا، غرضاً متجدداً في دعمه لأوكرانيا ضد الغزو الروسي. وبعيداً عن هذا التحدي، يواجه "الناتو" حكومة روسية تقيم علاقات أقوى مع الصين وإيران، حتى مع محاولة بكين السيطرة على آسيا وتوسيع طهران لبرنامجها النووي.
وتتعامل الدول الأعضاء الرائدة مثل فرنسا وألمانيا مع تمكين الأحزاب اليمينية المتطرفة ذات التعاطف الواضح مع موسكو، والمجر وتركيا هما ديمقراطيتان استبداديتان، وهناك مطالب جديدة لإنفاق المزيد من المال على الجيش، ثم هناك احتمال قوي بأن يعود دونالد ترامب، المتشكك الصريح في "الناتو" والمساعدات لأوكرانيا، إلى البيت الأبيض كشخصية رائدة في ما يبقى تحالفاً تهيمن عليه أمريكا.
لكن "روته"، البالغ من العمر 57 عاماً، أدار أربعة ائتلافات حاكمة صعبة ومختلفة في هولندا ببراعة، واضعاً الحاجة إلى الاتفاق قبل الأيديولوجية الشخصية، إنه شخصية معروفة للقادة الآخرين، وقد أشاد به كل من الرئيس "بايدن"، الذي دفعه لتولي المنصب، و"ترامب"، الذي قال ذات مرة بعد اجتماع في المكتب البيضاوي، "أحب هذا الرجل!"
وعلى عكس "ستولتنبرغ"، وهو نرويجي، يأتي "روته" من دولة مندمجة بالكامل في كل من "الناتو" والاتحاد الأوروبي، و"هذا أمر مهم حقاً من الناحية الموضوعية الآن، لأننا نحتاج حقاً إلى أن تعمل كلتا المنظمتين بشكل أوثق معاً،" كما قال كاميل غراند، الأمين العام المساعد السابق لحلف "الناتو"، الذي يعمل الآن في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، وسيكون هذا التآزر ضرورياً لتمكين أوروبا من فعل المزيد للدفاع عن نفسها مع تحول واشنطن نحو آسيا.
و"روته رجل لطيف وسهل التعامل معه، ولكنه أيضاً قاسٍ للغاية، ولا يتحمل الحمقى بسهولة،" كما قال روبرت دي غروت، السفير الهولندي السابق لدى الاتحاد الأوروبي الذي عمل عن كثب مع "روته" منذ عام 2011.
و"روته" ابن تاجر سيارات، معروف بابتسامته الكبيرة ولديه ميل لإيجاد أرضية مشتركة، بدلاً من دفع وجهة نظره الخاصة، وعلى الرغم من سهولة التعامل معه، فهو شخص خاص ذو عادات منتظمة يعيش بمفرده، لا يطبخ، يقود سيارة ساب قديمة ويذهب إلى نفس المنزل الصيفي كل عام، وتحد هذه العادات مما يعتبره خيارات مشتتة تحرفه عن حبه الحقيقي - السياسة ووظيفته، وفقاً لصحيفة "نيويورك تايمز".
ويهتم "روته" بشكل خاص بالسياسة الأمريكية ويلتقي بانتظام مع روبرت أ. كارو، مؤلف سيرة ذاتية أساسية عن روبرت موزس، مخطط المدن الذي ساعد في إنشاء مدينة نيويورك الحديثة، ووصف "روته" بأنه قارئ نهم يطرح أسئلة عميقة، ومعروف جيداً بركوب دراجته المتواضعة إلى العمل في بدلته، وأحياناً يأكل تفاحة أثناء الركوب، وصورة "روته" مصممة بعناية، كما قالت ويلما بورغمان، وهي صحفية هولندية غطت أخباره لعقود وشاركت مؤخراً في تأليف كتاب بعنوان "لغز روته"، إنه يحتفظ بحياته الخاصة لنفسه، ولا يسمح لأحد بالاقتراب منه، ومن بين جميع الأشخاص الذين قابلناهم، لم يذهب أحد أبداً إلى منزله، ووفقاً للمعايير الهولندية، هذا أمر استثنائي".
وهناك انتقادات لسجل "روته" نفسه في العديد من القضايا، بما في ذلك نقص المساكن الجديدة، وانخفاض القوة الشرائية للمستهلكين، وعدم الاهتمام الكافي بجودة التعليم، كما اتُهم "روته" بأنه كان بطيئاً جداً في التعامل مع جائحة "كوفيد-19"، ومتساهلاً جداً بشأن الزلازل الناتجة عن استنزاف حقل كبير للغاز الطبيعي وغير حساس جداً لفضيحة قديمة تتعلق بإعانات رعاية الأطفال، عندما اتهم الآلاف زوراً بالاحتيال.