"أحياء مُحِيَت تمامًا وعشرات الأشخاص جرفهم الفيضان".. شهود الإعصار يروون مآسي كارثة درنة
بعد خمسة أيام من مرور الإعصار العنيف "دانيال" الذي ضرب شرق ليبيا، وخلف -حسب آخر إحصائيات رسمية- أكثر من 3800 قتيل؛ لا يزال المسعفون والمتطوعون في شرق ليبيا يحاولون العثور على مفقودين؛ فيما شرع الكثيرون ممن شهدوا الوقائع المأساوية لتَبِعات وآثار الإعصار في المناطق المنكوبة يروون شهاداتهم عن الأحداث الأليمة للضحايا في تلك المناطق.
ومن بين الأشخاص الذين عايشوا ويلات الكارثة، الصحفي أبو بكر يحيى من مدينة البيضاء شرق ليبيا قرب درنة، الذي قال لـ"فرانس برس": "حين وقع الفيضان كنت في منزلي الواقع في حي 54 بمدينة البيضاء، بقينا في المنزل لأننا كنا على علم بقدوم العاصفة. الحي الذي أقيم فيه مرتفع قليلًا؛ مما كان يشكل حماية نوعًا ما من المياه. شاهدنا تساقط الأمطار بكثافة حيث إنها لم تتوقف لمدة تجاوزت 15 ساعة، كان علو المياه الجارية في الطرقات قرابة النصف متر، كانت تهدد المنازل السكنية. كنتُ شاهدًا على دمار العديد من المنازل والطرقات في المدينة خلال هذه الليلة".
مشاهد مروعة
وأضاف "يحيى": "الكارثة الكبرى كانت في درنة ولكن أيضًا مناطق أخرى مثل الوردية التي مُحيت تمامًا من الوجود. رأينا مشاهد مروعة واختفاء أحياء بالكامل بين ليلة وضحاها في شرق ليبيا ومنطقة الجبل الأخضر تحديدًا. شاهدتُ كيف جُرفت السيارات والممتلكات في الشوارع. لقد فقدنا عددًا كبيرًا من الأطفال وحتى الرضع، نحو 100 في درنة لوحدها وعشرة في البيضاء. كما أن هناك نساء كبيرات في السن وشبابًا قضوا. لقد فقدنا أقاربنا وأحبابنا في هذه الكارثة".
وتابع: "في صبيحة اليوم التالي للكارثة أي 11 سبتمبر، كان أهالي درنة وأفراد الهلال الأحمر ينتشلون الضحايا سواء في درنة أو البيضاء؛ لكن لاحقًا تدخلت الحكومة الليبية والقوات المسلحة في نفس اليوم، وساهموا في انتشال الجثث قبل أن تأتي فِرَق الإنقاذ تباعًا".
وزاد "يحيى": "كنا نعلم بقدوم الإعصار والسلطات حذّرت من كوارث قد تحدث في المنطقة الشرقية، وأيضًا قامت بإخطار المواطنين لاتخاذ الحيطة والحذر. وكانت استجابة السلطات سريعة سواء من حكومة الوحدة الوطنية أو الحكومة الليبية وأيضًا الجيش. كانت هناك قوافل تأتينا من المنطقة الغربية وأيضًا المنطقة الجنوبية قبل وصول الدعم الدولي والعربي لاحقًا رغم قلته. الحمد لله لقد تم إنقاذ العديد من الناس؛ قرابة 500 أخرجوا من تحت أنقاض المنازل".
تحذيرات مسبقة
وأوضح أن المناطق المنكوبة، تعاني حاليًا من انعدام البنزين وتذبذب التغطية الهاتفية وانعدام السيولة المالية، والحكومة أعلنت أنها ستقوم بإرسال 2 مليار دينار ليبي لكي يتم تداولها في المصارف".
ونقل أبو بكر يحيى، شهادة فتحي نفاتي، الذي يسكن في منطقة المغار عند زاوية بن عيسى في درنة، والذي قال في روايته للأحداث: "كنت في المنزل حيث بدأت الفيضانات عند حدود الساعة 3 والنصف ليلًا يوم الأحد 10 سبتمبر، انقطعت بعد ذلك التغطية الهاتفية والكهرباء. كان الظلام حالكًا، لكن كان يمكن رؤية السيول. بعد أن انحسرت المياه وطلعت الشمس رأيت جثث الأشخاص الغرقى".
وأضاف "نفاتي": "كان لدينا علم بما سيحدث حيث إن السلطات حذرت المواطنين من وجود خطر. لكن الأشخاص الذي يسكنون قرب الوادي، ومنهم أقربائي، لا أحد بينهم ظهر بعدُ مع الأسف. ساهم أفراد الهلال الأحمر الليبي والكشافة في جهود الإغاثة قبل أن تصل فِرَق الإنقاذ والمساعدة الدولية. ويوم الخميس بدأنا ننظف بعض الأماكن؛ لكن نريد المغادرة لأن المنطقة لم تعد صالحة للبقاء فيها والوضع كارثي. خسرنا سياراتنا التي جرفها السيل".
فيضانات مجاورة
من جهته، قال الصحفي الليبي محمد العزومي في شهادته عن أحداث الفيضانات التي ضربت شرق ليبيا: "كانت هناك فيضانات في المدن المجاورة لمدينة درنة مثل البيضاء وتاكنس ومدينة المرج، وكانت هناك أيضًا تحذيرات من بعض الخبراء في المدينة بأن السد سيمتلئ عن آخره، وبأن هناك خطورة شديدة، وبأن الإعصار قادم إلى مدينة درنة؛ لكن طبعًا الناس في المناطق المكتظة وأغلب السكان كانوا يلتزمون منازلهم بسبب غزارة الأمطار. بعد امتلاء خزان السد الصغير وانهياره عند حوالى الساعة 2 والنصف ليلًا مع كثرة المياه المتجمعة فيه.. أدى ذلك إلى إغراق ما يقارب ستة أحياء كبيرة في مدينة، درنة التي اختفت تمامًا، وهي: (المغار، المدينة القديمة، شارع الفنار، الحبس، سوق الظلام، مطحن الحصادي، ونادي دارنس). وكانت الفاجعة الكبرى حتى الآن هي وجود قرابة عشرين ألف مفقود وأكثر من 15 ألف ضحية، وهذه الحقيقة التي لم يتكلم عنها الإعلام أو السلطات المحلية في درنة وليبيا".
وأضاف "العزومي": "أنا من سكان بنغازي التي تبعد عن درنة حوالى 300 كيلومتر. في اليوم التالي للكارثة، تنقلت إلى المناطق المنكوبة حيث شهدت بأم العين عيني هول الكارثة ورأيت الجثث وأشلاء الضحايا".
انهيار السدين
ومن ناحيته، قال راقي المسماري وهو أستاذ القانون بجامعة درنة في شهادته: "حين بدأت الفيضانات، كنت في بيتي. بدأت الكارثة عند حوالى الساعة 2 و55 دقيقة صباحًا عندما انهارت السدود، لقد سمعنا إثرها صوتًا يشبه الانفجار، انقطعت الاتصالات والكهرباء عند حوالى الساعة 2، فخرجت علينا الناس التي تمكنت من النجاة وحدثونا عما رأوه. مع الصباح رأينا الدمار بأعيننا. عندما دب الضوء لم أعد أرى الكثير من المباني والعمارات المأهولة بالسكان، ففهمت أن هؤلاء جميعًا قد لقوا حتفهم".
وأضاف "المسماري": "لقد علمنا بأن هناك عاصفة قادمة من البحر المتوسط واسمها دانيال؛ لكن الحذر كان من فيضان البحر وليس من تساقط كميات كبيرة من الأمطار تؤدي إلى انهيار السدود المهترئة التي تحتاج إلى صيانة وتجديد. تقاعُس السلطات عن الصيانة والتجديد وتهاونها وتقصيرها أدى إلى أن تأتي الكارثة بماء السماء وليس ماء البحر".
وتابع: "إن الأهالي الناجين هم مَن ساهموا في إنقاذ المنكوبين واستخراج الجثث ليوم كامل، ثم بدأت السلطات تتحرك ببطء. نحن غير راضين إطلاقًا؛ لأن السلطات هي سبب الكارثة في الأساس وهي لم تتعامل معها بشكل مقبول حتى.. وبالنسبة إلى الدعم المحلي فهو غير موجود؛ لأن الكارثة أكبر من إمكانيات السلطات، أما الدعم الدولي فهو لا يزال ضعيفًا جدًّا حتى يوم الجمعة، الوضع مُزرٍ جدًّا".
توقف ترميم السدين
وأوضح "المسماري" في شهادته، أن "النظام الليبي السابق خلال فترة معمر القذافي كان قد تعاقد عام 2010 مع شركة تركية اسمها أرسيل لصيانة السدين في درنة، لكن العمل توقف بعد اندلاع ثورة 2011 وما تبعها من انفلات أمني وانتشار الجماعات الإرهابية في المنطقة، وأيضًا توقف عمل الشركات الأجنبية التي لم تعد لمزاولة نشاطها حتى يومنا هذا".
وبيّن أن "السد الجنوبي في درنة طاقةُ استيعابه 21 مليون متر مكعب من الماء، وهو يبعد 17 كيلومترًا عن مركز المدينة؛ بينما السد الأول حمولته 5 ملايين متر مكعب؛ لكن لم يتم صيانتها وتطويرهما للتكيف مع التغير المناخي".