حذّر مفوّض الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، فولكر تورك؛ الإثنين، "من نظريات مؤامرة الاستبدال العظيم أو الكبير" المنتشرة في عديدٍ من البلدان، معتبراً أنها "وهمية" وعنصرية وتحفّز مباشرة على العنف.
وحسب وكالة "فرانس برس"، ففي حديثه أمام مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في جنيف، قال المسؤول الدولي: "في بلدان عدة، بينها في أوروبا وأميركا الشمالية، أشعر بالقلق إزاء التأثير المتزايد على ما يبدو، لما يُسمى 'الاستبدال العظيم' ويتعلق بنظريات مؤامرة استناداً إلى فكرة خاطئة مفادها أن اليهود والمسلمين وغير البيض والمهاجرين يسعون إلى استبدال أو قمع ثقافات الدول والشعوب".
ورأى "تورك"؛ أن "هذه الأفكار الوهمية والعنصرية العميقة أثرت بشكل مباشر في عديد من مرتكبي أعمال العنف".
و"الاستبدال العظيم" نظرية مؤامرة تعد أن هناك مخططاً لمهاجرين من غير البيض قادمين من إفريقيا وآسيا ودول عربية وإسلامية ليكونوا بديلاً للشعوب الغربية الأصلية في أوروبا وأمريكا الشمالية.
ويقول مركز قانون الحاجة الجنوبي، وهو منظمة حقوقية أمريكية بارزة، إنها مؤامرة تدعي أن هناك مساعي سرية لاستبدال السكان البيض في البلدان ذات الأغلبية البيضاء الحالية.
وتشرح منظمة "منتدى إصلاح الهجرة"، وهي مؤسسة أمريكية غير ربحية، تشرح أن معتنقي النظرية يرون أن سياسات الترحيب بالمهاجرين في البلدان الغربية مؤامرة تهدف إلى "استبدال" القوة السياسية والثقافة للبيض الذين يعيشون في هذه الدول.
وكثيراً ما يشير مروّجو هذه النظرية إلى ضرورة "وقف غزو" المهاجرين، ويعبّرون أنها مسألة حياة أو موت فيما يتعلق بمصير "أميركا البيضاء" بسبب هذا المد الثقافي الأجنبي.
ويتهم بعضهم اليهود بأنهم جزءٌ من هذه المؤامرة، ويوضح مركز قانون الحاجة الجنوبي أن بعض أنصار "الاستبدال العظيم" يتهمون الأشخاص اليهود الأقوياء بالتآمر على الدول التي يعيشون فيها.
يوضح "منتدى إصلاح الهجرة" إنه في عام 1973، ألّف الروائي الفرنسي، جان راسبيل؛ رواية مشهورة بعنوان "معسكر القديسين"، تخيَّل فيها أسطولاً من السفن المحملة بمئات الآلاف من المهاجرين الأفارقة يغزون شاطئ "كوت دا زور" جنوبي فرنسا، ويعيثون فيه فساداً.
وانتشرت رواية "راسبيل" بين الجماعات المناهضة للمهاجرين حول العالم خلال الثمانينيات والتسعينيات.
وفي عام 2012، ألَّف رينو كامو؛ وهو كاتب فرنسي آخر تأثر بشدة بـ"راسبيل"، كتاب "الاستبدال العظيم" وفيه زعم أن الملونين يغزون قارة أوروبا، بما يرقى إلى مستوى يهدّد البيض بالانقراض، معتبرا أنها محاولة من قبل نخبة شريرة "استبدالية" لتدمير التركيبة السكانية والثقافة الأصلية.
وأثرت أفكاره بشكل مباشر في نمو حركة الهوية الأوروبية اليمينية المناهضة للمهاجرين في العقد التالي، وامتدت هذه الحركة إلى أنحاء العالم.
وبحلول عام 2017، أصبح شعار "لن تستبدلونا" و"اليهود لن يحلوا محلنا" شعاراً بارزاً بين العنصريين البيض الذين تجمعوا في مسيرة شارلوتسفيل في ولاية فيرجينيا، تلك المسيرة التي كان لها تأثير كبير على الرأي العام الأميركي.
ومع سعي طالبي اللجوء إلى الوصول إلى أوروبا، وتجاوز الحدود بين المكسيك والولايات المتحدة، زاد انتشار النظرية.
ويشير مركز قانون الحاجة الجنوبي إلى حوادث أخرى مدفوعة بهذه الفكرة، مثل حادثة إطلاق النار على 10 أشخاص في سوبر ماركت في نيويورك في مايو 2022، إذ تبيّن أن المتهم وهو رجل أبيض كتب في مدوناته عمّا وصفه بـ"الدونية الفكرية والإجرام المتأصل لدى السود، والمؤامرات اليهودية ضد البيض".
ويشير المركز إلى الهجوم على مسجديْن بمدينة كرايستشيرش النيوزيلندية، في مارس 2019، حين أطلق يميني متشدّد النار عشوائيا على المصلين.
وفي يناير الماضي، شارك آلاف الأشخاص في مسيرة في ضواحي برلين احتجاجاً على مخطط لدى حزب "البديل من أجل ألمانيا" اليميني لطرد أجانب بشكل جماعي. ونظّمت المسيرة بعد نشر تقرير عن اجتماع مسؤولين في الحزب بقيادي في "حركة الهوية" النمساوية اليمينية المتطرفة التي تتبع نظرية "الاستبدال العظيم"،
وفي 15 نوفمبر، أثار الملياردير الأمريكي، إيلون ماسك؛ الجدل بعدما أيّد منشوراً على منصة "إكس" زعم أن اليهود يؤجّجون الكراهية ضد البيض، قائلاً إن المستخدم الذي أشار إلى نظرية مؤامرة "الاستبدال العظيم" كان يقول "الحقيقة الفعلية".
وندّد البيت الأبيض بـ"الترويج البغيض للكراهية العنصرية والمعاداة للسامية" التي "تتعارض مع قيمنا الأساسية كأمريكيين"، وأوقفت شركات أميركية كبرى إعلاناتها مؤقتاً على المنصة التي يملكها.
وشدّد "تورك"، مسؤول الأمم المتحدة، في تصريحاته، الإثنين، أمام مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في جنيف، على أن المجتمعات المختلطة عرقياً، المتعدّدة الثقافات، لا تدعو إلى الخوف، بل يجب أن يُنظر إليها على أنها مفيدة للناس في كل مكان.
وأضاف: "التعدّدية الثقافية لا تشكل تهديداً. إنها تاريخ الإنسانية ومفيدة جداً لنا جميعاً".
وحذّر تورك؛ من أنه "جنباً إلى جنب مع ما يُسمى الحرب على الوعي، وهي في الواقع حربٌ على الإدماج، تهدف هذه الأفكار إلى استبعاد الأقليات العرقية، خصوصاً النساء من الأقليات العرقية، والمثليين" عن المساواة الكاملة.