تشكّلت بؤرة من الضغط الجوي المُنخفض في الرابع من سبتمبر/ أيلول الحالي وسط البحر الأبيض المُتوسط، وتسبّبت في هطول كميات كبيرة من الأمطار على أجزاء من دول البلقان، بما فيها اليونان، بالإضافة إلى غرب تركيا ومدينة اسطنبول، وتجاوزت كمياتُ الأمطار حاجزَ 800 ملم في بعض المناطق اليونانية، وأدّى ذلك إلى حدوث الفيضانات، مُخلّفة العديدَ من الوفيات، ووصفت هذه الكميات بأنها غير مُسبوقة في تلك المناطق والعاصفة الأقوى التي تضرب اليونان منذ عام 1930.
ما بين الثامن والتاسع من سبتمبر/ أيلول، تطوّر النظام الجوي المعروف باسم العاصفة دانيال واكتسب خصائص استوائية في تلك المنطقة البحرية الواسعة التي تقع ما بين جزيرة كريت وسواحل ليبيا وإيطاليا، والتي تتميّز بدفء مياه البحر؛ وذلك نتيجة استمرار تدفق الهواء البارد في طبقات الجو العالية لوسط البحر الأبيض المُتوسط، بالتزامن مع اندفاع هواء آخر ساخن من الجنوب.
هذه الخصائص الاستوائية ظهرت على أرض الواقع على شكل زيادة ملحوظة في الاضطراب الجوي من شدة العواصف الرعدية، بالإضافة إلى زيادة في سُرعة دوران الرياح والتيارات حول مركز المُنخفض؛ مما جعل المنخفض يظهر على شكل مُشابه للأنظمة المدارية من صور الأقمار الاصطناعية.
وضربت العاصفةُ دانيال الساحلَ الشرقي الليبي مع صبيحة يوم الأحد 10-9-2023، واستمرت في التأثير أيضًا يوم الاثنين، ورافقتْها هباتُ رياح عاصفة مصحوبة بهطول أمطار شديدة الغزارة أفضت إلى فيضانات مدمرة اجتاحت أحياء بأكملها، وتسبّبت في مقتل الآلاف، ودمرت العديد من المنازل والممتلكات والمنشآت في مدن ساحلية متعدّدة في شرقي البلاد مثل درنة والبيضاء والمرج وشحات وسوسة، بالإضافة إلى بلدات وقرى بالمنطقة.
العاصفة دانيال على الرغم من أنها توغلت سريعًا إلى اليابس الليبي، إلا أن ذلك لم يمنع من تأثيرها الشديد، ولم تفقد قوتها وزخمها؛ لأنها لاقت تغذية مستمرّة قادمة عبر نسيم بحري من خليج سرت، بالإضافة إلى الاحترار الكبير في المسطح المائي؛ وهو الأمر الذي عزّز استمرار طول بقاء تلك الخلايا الركامية الحادة المرافقة للعاصفة بالتأثير لفترة طويلة على الشرق الليبي.
لكن الكارثة الحقيقية كانت بمدينة درنة؛ حيث يوجد سدّ وادي درنة الكبير، وقد تسبّب الضغط الهائل للمياه في انهيار سد وادي درنة الكبير، وسرعان ما لحق به السدّ الثاني، كما أن الطبيعة التضاريسية لمدينة درنة زادت من الوضع سوءًا؛ إذ توجد خلف الشريط الضيق جدًّا من الأراضي الساحلية هضبة جبلية ترتفع بشكلٍ حاد، فتدفّقت كميات أمطار كبيرة جدًّا من المرتفعات الجبلية إلى الوادي؛ ما ضاعف من قدرتها التدميرية، فحاصرت الفيضاناتُ المدنَ في الشريط الساحلي الضيق، ولم تعد السدود قادرة على تحمّل الضغط، فغمرت المياهُ مساحاتٍ شاسعة في وقت قصير جدًّا، ووصل عدد ضحاياها أكثر من 5 آلاف قتيل، إلى جانب آلاف المفقودين والمصابين.