سلّط تقرير لصحيفة "نيويورك تايمز" الضوءَ على "التحذيرات الخطيرة" التي سبقت كارثة الفيضانات في مدينة درنة الليبية وكيف تم تجاهلها من قِبَل السلطات؛ مما تسبب في مقتل الآلاف.
وحسب موقع "الحرة"، قالت الصحيفة: "كان من الواضح لسنوات أن السدود التي تحمي درنة، معرضة لخطر الانهيار".
وأضافت الصحيفة أن الأمطار التي شهدتها المناطق المحيطة بالمدينة لم تكن وليدة اليوم؛ حيث هطلت بغزارة خلال السنوات الماضية؛ مما تسبب في انجراف التربة".
كذلك "أدى التغير المناخي إلى تغيير طبيعة الأراضي هناك، وجعلها أكثر جفافًا وصلابة ومجردة من النباتات بشكل كبير؛ وبالتالي أقل قدرة على امتصاص المياه- ومنعها من التجمع بشكل خطير خلف السدود"؛ وفقًا للصحيفة.
بعد ذلك، كانت هناك عقود من الإهمال من قِبَل المسؤولين الذين كانوا يعلمون أن السدود بحاجة إلى إصلاحات، في بلد مزقته سنوات من الحرب الأهلية، ولا يزال هناك حكومتان متعارضتان: واحدة في الغرب والأخرى في الشرق؛ حيث تقع درنة.
بعد ذلك تقول الصحيفة إنه "كان هناك عقود من الإهمال من قِبَل المسؤولين، الذين كانوا يعلمون أن السدود بحاجة إلى إصلاحات".
وكان أحد الأكاديميين الليبيين، قد نشر بحثًا في عام 2022، قال فيه إن تكرار الفيضانات يهدد السدود المبنية في وادي درنة، وحث على إجراء أعمال الصيانة بشكل فوري.
وكتب عبدالونيس عاشور الخبير في علوم المياه من جامعة عمر المختار الليبية في البحث: "إذا حدث فيضان ضخم، ستكون النتيجة كارثية على سكان الوادي والمدينة".
وحذّر من أن العواصف التي ضربت المنطقة في العقود الأخيرة؛ مستشهدًا بفيضانات مدمرة عام 1959، وقال إنها يمكن أن تؤدي إلى انهيار السدود وإغراق درنة؛ واصفًا الوضع بـ"الخطير".
وفي مقابلة عبر الهاتف مع الصحيفة، قال "عاشور" إنه فقَد العديد من أفراد عائلته بسبب الفيضانات؛ مضيفًا أن الحكومة تجاهلت سنوات من التحذيرات؛ بما في ذلك تلك التي أوردها في بحثه.
وأضاف عاشور: "نحن نعيش في حالة صدمة.. لا يمكننا استيعاب ما يحدث والدولة لم تكن مهتمة.. وبدلًا من ذلك مارسوا الفساد، وانشغلوا بالمشاحنات السياسية".
كما أشار عاشور إلى أن المهندسين الذين أشرفوا على بناء السدود قللوا من كمية الأمطار المتوقعة في المنطقة.
ومما زاد الطين بلة أن التضاريس تعرضت للتصحر؛ مما قلل قدرتها على امتصاص المياه الجارية؛ وفقًا لعاشور.
علاوة على ذلك، يقول مسؤولون محليون إن السدود بالكاد خضعت لعمليات صيانة منذ بنائها في أواخر السبعينيات.
تم بناء السدين على أطراف درنة بمساعدة مهندسين من يوغوسلافيا السابقة، بحسب الخبراء.
ويبلغ ارتفاع السد الأكبر، المعروف باسم "أبو منصور" 74 مترًا ويمكنه استيعاب ما يصل إلى 22.5 مليون متر مكعب من المياه.
أما السد الأصغر، واسمه "سد البلاد" أو سد درنة، فقد تم بناؤه على مشارف المدينة. وبمجرد انهيار الأول، انهار الثاني أيضًا.
وخلال فترة حكم معمر القذافي، شهدت المنطقة فيضانات متكررة، لكن السدين صمَدا.
وفي عام 1986 ضربت عاصفة كبيرة المنطقة؛ مما أدى إلى أضرار في السدين وجرف التربة من الأرض. وأكد عاشور أن السدين تضررا؛ لكنهما صمدا مرة أخرى.
وعلى الرغم من الضغوط التي كان يتعرض لها السدان، إلا أن عمليات الصيانة كانت قليلة للغاية.
وقال المدعي العام الليبي صادق السور إن الحكومة الليبية كُلفت عام 1998 بإجراء دراسة كشفت عن تشققات وتصدعات في السدين.
وأضاف "السور" أنه بعد ما يقرب من 10 سنوات، تم التعاقد أخيرًا مع شركة تركية لإصلاح السدين؛ لكن السلطات تأخرت في الدفع، ولم يبدأ المشروع إلا في عام 2010.
بعدها بعدة أشهر اندلعت احتجاجات الربيع العربي في ليبيا وسقط نظام القذافي؛ مما أدى إلى توقف أعمال صيانة السدين.
وبعد أكثر من عقد من الإطاحة بالقذافي، لا تزال البلاد منقسمة بين حكومة معترف بها دوليًّا في الغرب وأخرى تحت قيادة خليفة حفتر، القائد العسكري الذي يسيطر على الشرق؛ بما في ذلك درنة؛ حيث انشغل الليبيون بحرب أهلية وانقسام مزمن رهن تنمية البلاد وتجديد هياكلها القاعدية لعدة أعوام.
وقبل أقل من يومين من وقوع الكارثة كتبت منظمة "رؤيا" الليبية غير الربحية على فيسبوك، أن السد يمكن أن يمتلئ حتى الانهيار خلال العاصفة القوية التي تجتاح البحر الأبيض المتوسط. وطالبت المنظمة سكان وادي درنة "بتوخي الحذر الشديد".
احتوى السدان على مجاري تصريف خرسانية من المفترض أن تعمل بشكل يشبه -إلى حد كبير- تلك الموجودة في حمامات الاستحمام العادية؛ عندما يرتفع منسوب المياه لمستويات عالية للغاية، يذهب الزائد منها إلى مجرى التصريف ويخرج من تحت السد؛ ولكن إذا لم يتم إنشاء قناة تصريف المياه بالحجم الكافي أو كانت الأنابيب ضيقة جدًّا بحيث لا تتناسب مع قوة العاصفة؛ فإن المياه تستمر في الارتفاع.. وعندما يرتفع الماء فوق قمة السد، يبدأ السد نفسه في التآكل تدريجيًّا حتى ينهار الهيكل بأكمله وتتدفق المياه بحرية.. وهو ما حدث بالفعل مع سدي درنة؛ وفقًا للصحيفة.
ولَقِيَ الآلاف حتفهم، وما زال آلاف آخرون في عداد المفقودين بسبب الكارثة، التي أدت لسيول وفيضانات اجتاحت مساحات واسعة من مدينة درنة بينما كانت العائلات نائمة.