من 360 كيلو متر مربع إلى 35 كيلو متر مربع.. هكذا تقلصت المساحة الآمنة في غزة منذ بدء العدوان الإسرائيلي الغاشم، ما يعني أقل من 10% من المساحة الإجمالية للقطاع الذي بات متناهي الصغر، ويعج بكثافات بشرية هائلة، ما يفاقم الأوضاع المزرية في القطاع الجريح، ويهدد بتبعات خطيرة.
انكماش المساحة الآمنة في غزة يعني حشر وضغط نحو مليوني فلسطيني في مساحة متناهية الصغر، وبذلك التكدس البشري الهائل في ذلك الحيز الجغرافي شديد الضيق تصبح البيئة مواتية لانتشار الأمراض والأوبئة، وتفاقم الأوضاع الإنسانية المأساوية، وتشكل صعوبة أمام أطقم الدفاع المدني والإسعاف، والقائمين على الإغاثة لتوفير مياه الشرب النظيفة والطعام لهذا العدد الهائل في مساحة بالغة الضيق.
وتعني المساحة الآمنة تلك المناطق التي يستطيع النازحون التوجه إليها، فرارًا من مناطقهم السكنية التي تشهد عمليات عسكرية عدوانية إسرائيلية، وهي مناطق يوجه جيش الاحتلال إليها النازحين بموجب أوامر إخلاء.
وعلى مدار شهر يوليو قلص الاحتلال المناطق الآمنة إلى 48 كم2، قبل أن يعاود تقليصها إلى كم2، بما يعادل 9.5 % من إجمالي مساحة القطاع، شملت تقريبًا 3.5 % مساحات زراعية وخدماتية وتجارية.
وعلى الرغم من إعلان الاحتلال تلك المساحات الضيقة بأنها مناطق آمنة إلا أنها لم تخل على مدار الأشهر الماضية من تجاوزات واعتداءات عسكرية إسرائيلية، ما يعني في الواقع عدم وجود مناطق آمنة في غزة.
ووفقًا لبيان وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، فقد أثرت أوامر الإخلاء في أغسطس على 250 ألف فلسطيني في غزة، ينضمون إلى أكثر من مليون شخص في "المنطقة الآمنة" التي تقع من دير البلح في الوسطى إلى المواصي في خان يونس، غربي غزة وحتى رفح جنوبًا.
مضيفة أن "سكان غزة باتوا عالقين في دوامة نزوح قسري متكرر، حيث تواصل العائلات الفرار وسط العمليات العسكرية وحر الصيف اللاهب".
وأشارت الأمم المتحدة إلى أن نحو 30 ألف فلسطيني يعيشون في كل كيلومتر مربع بمنطقة المواصي في غزة، مقارنة بـ 1200 شخص لكل كيلومتر مربع في غزة قبل الحرب، وهي أكبر مكان مأهول في العالم في الوقت الراهن، بعد أن تخطت ماكاو في صدر قائمة الأعلى كثافة سكانية في العالم للكيلومتر المربع الواحد، التي كانت تحتل الصدارة بـ21 ألف شخص للكيلومتر المربع.
وقال المتحدث الرسمي باسم الوكالة "أونروا" عدنان أبو حسنة لشبكة "بي بي سي" البريطانية تعليقًا على تقلص المناطق الآمنة، إن: "أيامًا سوداء يعيشها النازحون في قطاع غزة؛ فلا مكان على الإطلاق ليذهبوا إليه وينصبوا خيامهم فيه".
وأضاف: "نتحدث عن تسونامي بشري. نحن أمام مئات الآلاف من الهائمين على وجوههم في الشوارع، يسكنون العراء الآن بلا أدنى مقومات الحياة. نتحدث عن مليون وثمانمائة ألف فلسطيني يعيشون في مساحة أقل من أربعين كيلو مترًا مربعًا".
وتابع "أبو حسنة": "هذه بيئة خصبة تمامًا لانتشار الأمراض المعدية كالتهاب الكبد الوبائي، الذي ينتشر في قطاع غزة بمعدل ألف حالة أسبوعيًا، وكذلك التهاب السحايا، وفيروس شلل الأطفال، فضلاً عن الأمراض الرئوية والمعوية".
وفاقمت أوامر الإخلاء المتتالية، وتقلص المساحات الآمنة من المعاناة الصحية التي يعيشها النازحون وسكان القطاع، وأثارت مخاوف متزايدة بشأن تفشي الأمراض والعدوى، ولا سيما بعد العثور على فيروس شلل الأطفال في مياه الصرف الصحي في غزة.
وعلق الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش على الوضع الحي، قائلاً إن مئات الآلاف من الأطفال في غزة معرضون لخطر الإصابة بشلل الأطفال.
فيما قال مدير منظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم جيبريسوس، إن "العثور على فيروس شلل الأطفال في مياه الصرف الصحي بقطاع غزة يعد دليلاً على أن الفيروس قد وجد طريقه إلى المجتمع، ما يضع الأطفال غير المحصنين في خطر الإصابة بشلل الأطفال".