في كتابه "العظماء مائة وأعظمهم محمد" يؤكّد الكاتب الأمريكي مايكل هارت؛ أن النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - هو الإنسان الوحيد في التاريخ الذي نجح نجاحاً مطلقاً على المستويين الديني والدنيوي، ولهذا السبب وضعه على رأس قائمة العظماء في تاريخ الإنسانية.
مايكل هارت
في عام 1978، نشر الأمريكي مايكل هارت؛ كتابه "الـ 100: تصنيف الأشخاص الأكثر تأثيراً في التاريخ"، الذي طبع منه ملايين النسخ في 15 لغة، ومنها الترجمة العربية التي قام بها الكاتب المصري الراحل أنيس منصور؛ ونشر الكتاب في العربية بعنوان "العظماء مائة وأعظمهم محمد"، ويعد أهم كتب مايكل هارت؛ عالم الفيزياء الفلكية، الأمريكي الجنسية واليهودي الديانة.
محمد نجح نجاحاً مطلقاً
وفي الفصل الأول، الذي جاء تحت عنوان "1- محمد - صلى الله عليه وسلم"، يقول مايكل هارت: "لقد اخترت محمداً - صلى الله عليه وسلم - في أول هذه القائمة، ولابد أن يندهش كثيرون لهذا الاختيار، ومعهم الحق في ذلك، ولكن محمداً - صلى الله عليه وسلم - هو الإنسان الوحيد في التاريخ الذي نجح نجاحاً مطلقاً على المستويين الديني والدنيوي.. وهو قد دعا إلى الإسلام ونشره كواحد من أعظم الديانات، وأصبح قائداً سياسياً وعسكرياً ودينياً، وبعد 13 قرناً من وفاته، فإن أثر محمد - صلى الله عليه وسلم – لا يزال قوياً متجدّداً".
نشأ في منطقة متخلفة
يضيف هارت "أكثر هؤلاء الذين اخترتهم وُلدوا ونشأوا في مراكز حضارية ومن شعوب متحضرة سياسياً وفكرياً، إلا محمداً - صلى الله عليه وسلم -، فهو وُلد سنة 570 ميلادية في مدينة مكة؛ جنوب شبه الجزيرة العربية في منطقة متخلفة من العالم القديم، بعيدة عن مراكز التجارة والحضارة والثقافة والفن".
وحّد العرب لأول مرة
ثم يقدم هارت؛ سيرة مختصرة للرسول - صلى الله عليه وسلم -، ويقول "قبل وفاته بسنتين ونصف السنة، شهد محمد - صلى الله عليه وسلم - الناس يدخلون في دين الله أفواجا ..، ولما تُوفي الرسول - صلى الله عليه وسلم، كان الإسلام قد انتشر في جنوب شبه الجزيرة العربية .. وكان البدو من سكان شبه الجزيرة مشهورين بشراستهم في القتال، وكانوا ممزقين أيضاً، رغم أنهم قليلو العدد، ولم تكن لهم قوة أو سطوة العرب في الشمال الذين عاشوا على الأرض المزروعة.. ولكن الرسول - صلى الله عليه وسلم - استطاع، لأول مرة، في التاريخ، أن يوحّد بينهم وأن يملأهم بالإيمان وأن يهديهم جميعاً بالدعوة إلى الإله الواحد، ولذلك استطاعت جيوش المسلمين الصغيرة المؤمنة أن تقوم بأعظم غزوات عرفتها البشرية فاتسعت الأرض تحت أقدام المسلمين من شمال شبه الجزيرة العربية وشملت الإمبراطورية الفارسية على عهد الساسانيين إلى الشمال الغربي واكتسحت بيزنطة والإمبراطورية الرومانية الشرقية".
أسَّس إمبراطورية إسلامية
يروي هارت؛ تاريخ الفتوحات الإسلامية، ويعلق قائلاً "استطاع هؤلاء البدو المؤمنون بالله وكتابه ورسوله، أن يقيموا إمبراطورية واسعة ممتدة من حدود الهند حتى المحيط الأطلسي، وهي أعظم إمبراطورية أقيمت في التاريخ حتى اليوم، وفي كل مرة تكتسح هذه القوات بلداً، فإنها تنشر الإسلام بين الناس".
ثم يرصد مايكل هارت؛ انكماش الإمبراطورية الإسلامية واقتطاع أجزاءٍ من أراضيها، لكنه يقول عن الإسلام "ظلت الديانة الجديدة تتسع على مدى القرون التالية، فهناك مئات الملايين في وسط إفريقيا وباكستان وإندونيسيا، بل إن الإسلام وحّد بين اندونيسيا المتفرقة الجزر والديانات واللهجات، وفي شبه القارة الهندية انتشر الإسلام وظل على خلافٍ مع الديانات الأخرى .. والإسلام مثل كل الديانات الكبرى، كان له أثرٌ عميقٌ في حياة المؤمنين به، ولذلك فمؤسّسو الديانات الكبرى ودعاتها موجودون في قائمة المائة الخالدين".
لماذا محمد رقم (1) وعيسى رقم (3)؟
يجيب مايكل هارت؛ عن هذا السؤال قائلاً: "ربما بدا شيء غريب حقا .. أن يكون الرسول محمد - صلى الله عليه وسلم - في رأس هذه القائمة، رغم أن عدد المسيحيين ضعف عدد المسلمين، وربما بدا غريباً أن يكون الرسول - صلى الله عليه وسلم - هو رقم (1) في هذه القائمة، بينما عيسى عليه السلام هو رقم (3)، وموسى عليه السلام رقم (16).. لكن لذلك أسباب: من بينها أن الرسول محمدا - صلى الله عليه وسلم - كان دوره أخطر وأعظم في نشر الإسلام وتدعيمه وإرساء قواعد شريعته أكثر مما كان لعيسى - عليه السلام - في الديانة المسيحية، وعلى الرغم من أن عيسى - عليه السلام - هو المسؤول عن مبادئ الأخلاق في المسيحية، غير أن القديس بولس؛ هو الذي أرسى أصول الشريعة المسيحية، وهو أيضا المسؤول عن كتابة الكثير مما جاء في كتب "العهد الجديد".. أما الرسول - صلى الله عليه وسلم - فهو المسؤول الأول والأوحد عن إرساء قواعد الإسلام وأصول الشريعة والسلوك الاجتماعي والأخلاقي وأصول المعاملات بين الناس في حياتهم الدينية والدنيوية، كما أن القرآن الكريم نزل عليه وحده، وفي القرآن الكريم وجد المسلمون ما يحتاجون إليه في دنياهم وآخرتهم".
ليس في المسيحية كتابٌ يشبه القرآن
يضيف هارت: "والقرآن الكريم نزل على الرسول - صلى الله عليه وسلم - كاملاً، وسُجلت آياته وهو لا يزال حياً، وكان تسجيلاً في منتهى الدقة، فلم يتغيّر منه حرفٌ واحدٌ .. وليس في المسيحية شيءٌ مثل ذلك، فلا يوجد كتابٌ واحدٌ محكمٌ دقيقٌ لتعاليم المسيحية يشبه القرآن الكريم، وكان أثر القرآن الكريم في الناس بالغ العمق، ولذلك كان أثر محمد - صلى الله عليه وسلم - على الإسلام أكثر وأعمق من الأثر الذي تركه عيسى - عليه السلام - على الديانة المسيحية".
محمد أكثر أثراً من عيسى
ثم يكشف مايكل هارت؛ عن الفروق بين شخصيتَي النبيَّيْن، ويقول "على المستوى الديني كان أثر محمد - صلى الله عليه وسلم - قوياً في تاريخ البشرية وكذلك كان عيسى، وكان الرسول - صلى الله عليه وسلم - على خلاف عيسى رجلاً دنيوياً، فكان زوجاً وأباً، وكان يعمل في التجارة ويرعى الغنم، وكان يحارب ويُصاب في الحروب ويمرض .. ثم مات".
أعظم زعيم سياسي عرفه التاريخ
ويضيف مايكل هارت: "ولما كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - قوة جبارة، فيمكن أن يُقال أيضا أنه أعظم زعيم سياسي عرفه التاريخ".
ويكشف هارت؛ لماذا هو أعظم زعيم سياسي مؤكداً أن ما حدث لم يكن ليحدث لولا وجود النبي - صلى الله عليه وسلم -، يقول هارت "إذا استعرضنا التاريخ .. فإننا نجد أحداثاً كثيرة من الممكن أن تقع دون أبطالها المعروفين .. مثلاً: كان من الممكن أن تستقل مستعمرات أمريكا الجنوبية عن إسبانيا دون أن يتزعم حركاتها الاستقلالية رجلٌ مثل سيمون بوليفار .. ولكن من المستحيل أن يُقال ذلك عن البدو .. وعن العرب عموماً وعن إمبراطوريتهم الواسعة، دون أن يكون هناك محمد - صلى الله عليه وسلم -.. فلم يعرف العالم كله رجلاً بهذه العظمة قبل ذلك، وما كان من الممكن أن تتحقّق كل هذه الانتصارات الباهرة بغير زعامته وهدايته وإيمان الجميع به
غزوات المسلمين وغزوات المغول
ويقارن مايكل هارت؛ بين غزوات المسلمين وغزوات المغول من حيث تأثيرها ويقول "ربما ارتضى بعض المؤرخين أمثلة أخرى من الغزوات الساحقة.. كالتي قام بها المغول في القرن الثالث عشر.. ورغم أن غزوات جنكيز خان؛ كانت أوسع من غزوات المسلمين، فإنها لم تدم طويلاً.. ولذلك كان أثرها أقل خطراً وعمقاً.. فقد انكمش المغول وعادوا إلى احتلال الرقعة نفسها التي كانوا يحتلونها قبل ظهور جنكيز خان.. وليست كذلك غزوات المسلمين".
لماذا لم تفرض إيران حظر البترول عام 1973؟
ويقول هارت: "العرب يمتدون من العراق إلى المغرب وهذا الامتداد يحوي دولاً عربية لم يوحّد بينها الإسلام فقط، ولكن وحّدت بينها اللغة والتاريخ والحضارة، ومن المؤكد أن إيمان العرب بالقرآن، هذا الإيمان العميق هو الذي حفظ لهم لغتهم العربية وأنقذها من عشرات اللهجات الغامضة، صحيح أن هناك خلافات بين الدول العربية وهذا طبيعي، ولكن هذه الخلافات يجب ألا تنسينا الوحدة المتينة بينها، مثلا: لم تشترك إيران المسلمة وإندونيسيا المسلمة في فرض حظر البترول على العالم الغربي فيما بين عامَي 1973 و1974، بينما نجد أن الدول العربية البترولية قد شاركت جميعاً في هذا الحظر! وهذا الموقف العربي الموحّد يؤكّد لنا، أن الغزوات العربية التي سادت القرن السابع، لا يزال دورها عميقاً وأثرها بليغاً في تاريخ الإنسانية حتى يومنا هذا".
وينهي مايكل هارت؛ الفصل الأول من كتابه قائلاً "هذا الامتزاج بين الدين والدنيا هو الذي جعلني أومن بأن محمد - صلى الله عليه وسلم - هو أعظم الشخصيات أثراً في تاريخ الإنسانية كلها".