

كشف تحليل عالمي لبيانات مليار شخص في 204 دولة، أن العنف الجنسي ضد الأطفال والعنف الأسري ضد النساء يُعدان من أبرز التهديدات الصحية في العالم، ما يستدعي اعترافًا عاجلًا بهما كأولويات صحية عامة بالغة الأهمية.
ووفقًا لتقرير نُشر على موقع "ميديكال إكسبريس"، كجزء من دراسة "العبء العالمي للأمراض 2023"، أجرى معهد القياسات الصحية والتقييم (IHME) بجامعة واشنطن تحليلًا للنتائج الصحية في 204 دول.
وكشفت الدراسة، التي نُشرت في مجلة "ذا لانسيت"، عن تعرّض أكثر من مليار شخص ممّن تبلغ أعمارهم 15 عامًا فأكثر للاعتداء الجنسي في طفولتهم، بينما عانت 608 ملايين فتاة وامرأة من العنف الجسدي أو الجنسي الأسري.
وساهمت هذه الصدمات مجتمعةً في فقدان أكثر من 50 مليون سنة من سنوات العمر المصححة باحتساب الإعاقة (DALYs) – وهي سنوات ضائعة بسبب الوفاة أو الإعاقة – حيث شكّل العنف الجنسي ضد الأطفال 32.2 مليون سنة، والعنف الأسري 18.5 مليون سنة.
حجم العنف هائل والعبء الصحي جسيم
ربطت الدراسة العنف الجنسي ضد الأطفال بـ14 حالة صحية خطيرة، والعنف الأسري بـ8 حالات، متجاوزةً التقديرات السابقة بكثير.
تسبّب العنف الجنسي ضد الأطفال في 290 ألف حالة وفاة عالميًا عام 2023، معظمها بسبب الانتحار، وفيروس نقص المناعة البشرية (الإيدز)، وداء السكري.
أدى العنف الأسري إلى 145 ألف حالة وفاة، من بينها ما يُقدَّر بنحو 30 ألف امرأة قُتلن على يد أزواجهن.
وكانت الاضطرابات النفسية هي الأكثر تأثرًا؛ إذ شكّل العنف الأسري أكثر من 20% من الوفيات الصحية الناتجة عن القلق وإيذاء النفس بين النساء، كما ساهم العنف الجنسي ضد الأطفال في زيادة معدلات القلق لدى النساء والفصام لدى الرجال.
وقالت الدكتورة لويزا سوريو فلور، المؤلفة الرئيسية للدراسة من معهد القياسات الصحية والتقييم: "تُشكّل هذه النتائج تحديًا جوهريًا للنظرة السائدة التي تعتبر العنف الجنسي ضد الأطفال والعنف الأسري قضايا اجتماعية أو جنائية في المقام الأول، وتؤكد مكانتهما كأولويات رئيسية في مجال الصحة العامة".
بالنسبة للنساء اللواتي تتراوح أعمارهن بين 15 و49 عامًا، احتل العنف المنزلي المرتبة الرابعة، والعنف ضد الأطفال المرتبة الخامسة، كأهم عوامل الخطر المؤدية إلى فقدان الصحة، متجاوزَين ارتفاع ضغط الدم ومنافسَين نقص الحديد.
مطالب باستجابة عاجلة من قطاع الصحة العامة
يؤكد الباحثون أن العنف قابل للوقاية من خلال التشريعات، والرعاية المراعية للصدمات النفسية، والتمكين الاقتصادي. وشدّدت الدكتورة فلور قائلة: "الوقاية من العنف وحدها لا تكفي، بل يجب علينا أيضًا تحديد الناجيات، وحمايتهن، وإعادة تأهيلهن، ودعمهن، ويُعد القطاع الصحي محورًا أساسيًا في هذه الجهود".
من جانبها، صرّحت البروفيسورة إيمانويلا جاكيدو، المشاركة في إعداد الدراسة: "تهيمن معظم الحالات الأخرى التي تؤثر على مليار شخص وتُصنَّف ضمن أخطر خمسة تهديدات صحية على أجندة الصحة العالمية... وهذا يجعل القضية قاطعة: العنف سبب رئيسي للوفاة والإعاقة، مما يستدعي اتخاذ إجراءات شاملة في مجال الصحة العامة".