قال خبراء الاقتصاد العالمي عن العُطل المعلوماتي الذي ضرب العالم يوم الجمعة الماضية إن "التقديرات بالخسائر المباشرة تتراوح بين 200 و300 مليار دولار خلال 24 ساعة"؛ وهو ما يثير التساؤل عن الجهة التي ستدفع فاتورة العطل التقني.
وبحسب موقع "الحرة"، عندما شل الجمعة الماضية عطلٌ معلوماتي، وُصف بأنه "الأضخم"، العديد من الشركات حول العالم، برزت الآثار الاقتصادية الناجمة عن هذا الخلل بشكل لافت؛ ما يتطلب تحسين إجراءات الاستجابة لحالات الطوارئ الرقمية بعد أن خلقت الأزمة حالة من عدم الثقة بالأنظمة الإلكترونية العالمية.
وتأثرت شركات كبرى بهذا العطل، تعمل في مجالات مختلفة، من الولايات المتحدة مرورًا بأوروبا وصولاً لأستراليا؛ ما خلق حالة فوضى في المطارات والمصارف والمستشفيات، وغيرها من القطاعات الحيوية.
وسبب المشكلة تحديث فيه خلل على أنظمة تشغيل "مايكروسوفت ويندوز"، أصدرته شركة الأمن السيبراني "كراود سترايك"، التي استبعدت فرضية الهجوم الإلكتروني أو حدوث مشكلة أمنية في تكنولوجيا المعلومات.
يقول خبراء إن آثار هذا العطل الذي استمر ساعات على الاقتصاد العالمي، سواء كانت مباشرة أو غير مباشرة، "كبير جدا"؛ وذلك بعد أن تأثر 8.5 مليون جهاز حول العالم بتحديث شركة الأمن السيبراني، وفقًا لشركة مايكروسوفت العملاقة.
وقال مازن أرشيد، الخبير بالاقتصاد العالمي، في تصريحات إلى موقع "الحرة": "إن التحديث الخاطئ لبرنامج فالكون سينسر تسبب في حدوث شاشة الموت الزرقاء على ملايين الأجهزة التي تعمل بنظام مايكروسوفت ويندوز؛ ما أدى إلى تعطيل عمليات العديد من الشركات والمؤسسات حول العالم".
وأوضح "أرشيد" أن "هذه الانقطاعات طالت مختلف القطاعات؛ ما أدى إلى تأثيرات سلبية كبيرة على الاقتصاد".
وبدروه، يذهب الخبير الاقتصادي والمستشار الدولي لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، باسم "حشاد"، في الاتجاه ذاته قائلاً إن "التقديرات بالخسائر المباشرة تتراوح بين 200 و300 مليار دولار خلال 24 ساعة".
وفي حديثه لموقع "الحرة" استشهد "حشاد" بمجموع الانخفاض في قيم رؤوس الأموال بالأسواق الآسيوية التي تراجعت بمعدل 0.7 بالمئة.
وسلط العطل الضوء على "كراود سترايك"، وهي شركة قيمتها 83 مليار دولار، وغير ذائعة الصيت، لكن لديها أكثر من 20 ألف مشترك حول العالم، منهم "أمازون دوت كوم" و"مايكروسوفت".
وقال "أرشيد" إن القطاع الجوي كان من أكثر القطاعات تضررًا؛ إذ توقفت أنظمة الحجز وتسجيل الدخول في المطارات؛ ما أدى إلى تأخير وإلغاء العديد من الرحلات.
وضرب الخبير في الاقتصاد العالمي المثال على مطار "لاغوارديا" في نيويورك بعد أن توقفت أنظمة الأمتعة بشكل كامل؛ ما أثر على عمليات الطيران، وأدى إلى خسائر مالية ضخمة لشركات الطيران، وتضرر تجربة المسافرين.
وبحسب شركة "سيريوم" لتحليلات الطيران، فإنه من بين أكثر من 110 آلاف رحلة تجارية مجدولة يوم الجمعة تم إلغاء 5 آلاف رحلة على مستوى العالم.
وتُقدّر فاتورة الخسائر الناجمة عن تعطل المطارات وشركات الطيران الكبرى، وبخاصة الأمريكية والأوروبية، بـ70 مليار دولار، حسبما قال "حشاد".
لكن قطاع الطيران لم يكن الوحيد المتضرر من هذا العطل الإلكتروني غير المسبوق؛ فالقطاع المالي أيضًا شهد تأثيرات كبيرة، بحسب "أرشيد"، الذي أشار إلى أن أنظمة المعاملات الإلكترونية توقفت، وتعرضت العمليات المالية للشلل.
وقال إن "البنوك التي تعتمد على أنظمة كراود سترايك للأمان السيبراني واجهت تحديات في استعادة خدماتها بسرعة؛ ما أدى إلى خسائر مالية تُقدر بمئات الملايين من الدولارات نتيجة لتوقف الأعمال وفقدان الثقة بين العملاء".
كذلك، لم يكن قطاع الرعاية الطبية بمنأى عن هذه الفوضى العالمية بعد تعطُّل أنظمة مستشفيات ومراكز طبية تعتمد على التكنولوجيا الرقمية لإدارة المرضى.
وقال "أرشيد" إن ذلك التوقف "أثر على القدرة على تقديم الرعاية الطبية العاجلة وإدارة العمليات الجراحية والإجراءات الطبية اليومية؛ ما وضع حياة المرضى في خطر".
وأشار إلى أن التقديرات لإجمالي فاتورة الأضرار من جراء هذا العطل في الولايات المتحدة وحدها قد تتجاوز 7 مليارات دولار في اليوم الواحد.
وتابع: "لو افترضنا أن المشاكل استمرت أيامًا أو أسابيع عدة، فإن الخسائر العالمية كانت ستصل إلى عشرات المليارات، مع تأثيرات طويلة الأمد على الثقة في الشركات المتضررة، وتكاليف إعادة التشغيل، وإصلاح الأنظمة المتضررة".
ومع ذلك، يعتقد "حشاد" أن "الانعكاس الأخطر" على هذا العطل هو التأثيرات غير المباشرة التي قد تستمر مستقبلاً. وقال إن هناك مخاوف في الأسواق بحدوث "انتكاسة مماثلة"؛ ما يُفقد الثقة في المنظومة الإلكترونية العالمية؛ الأمر الذي يؤكد استمرار التأثُّر من ذلك العطل.
وبعد حل المشكلة تدريجيًّا تتعامل الشركات الآن مع تراكم الرحلات الجوية المؤجلة والملغاة، وكذلك المواعيد الطبية والطلبيات التي لم تصل إلى وجهتها، ومشكلات أخرى قد تستغرق أيامًا لحلها.
وفي بيان أمس السبت قالت "كراود سترايك" إنها أصدرت تحديثًا ليل الخميس، تسبب في تعطُّل النظام، وظهور "شاشة الموت الزرقاء" سيئة السمعة.
وذكرت "كراود سترايك" أنها نشرت برمجية لإصلاح المشكلة، فيما اعتذر رئيسها، جورج كورتس، في تصريحات إلى قناة "سي إن بي سي" الإخبارية الأمريكية.
وقال كورتس إنه يريد "الاعتذار شخصيًّا إلى كل مؤسسة وكل مجموعة وكل شخص طاله الضرر".
وأضافت شركة الأمن السيبراني بأن عودة الوضع إلى طبيعته قد تستغرق بضعة أيام.
وبعد أن أخذت الأزمة في الانجلاء بدأت تساؤلات تُطرح بشأن مَنْ سيتحمل فاتورة تلك الخسائر؟ وكيف سيتم تعويض المتضررين من هذا العطل؟
وتحدث "أرشيد" عن ذلك قائلاً إن "المسؤولية الأساسية تقع على عاتق الشركة المزودة للخدمة، وهي في هذه الحالة كراود سترايك؛ لتعويض العملاء المتضررين".
واستطرد قائلاً: "تلعب شركات التأمين السيبراني دورًا كبيرًا في تغطية جزء من هذه الخسائر اعتمادًا على الشروط والبنود الخاصة بكل عقد تأمين. وتواجه الشركات تحديات في تقديم مطالبات التأمين إذا لم تتبع الإجراءات الوقائية اللازمة، أو لم تكن تغطيتها التأمينية شاملة لمثل هذه الحوادث".
وهذا الحدث العالمي يبرز "الحاجة الملحة" لتعزيز الأمان السيبراني، وتحسين إجراءات الاستجابة للطوارئ الرقمية -بحسب أرشيد-؛ لمنع حدوث ما وصفه بـ "الكوارث" في المستقبل.
وقال: "تحتاج الشركات إلى استثمارات ضخمة في البنية التحتية التكنولوجية، وتدريب الموظفين؛ لضمان استمرارية الأعمال في حالات الطوارئ السيبرانية".