تلعب بيئة العمل دوراً هاماً في تحفيز الموظفين على إنجاز مهامهم ورفع مستوى الإنتاجية لديهم، حيث تؤكد الأبحاث أن نجاح الموظف في مكان العمل، يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالدعم الذي يحصل عليه من إدارة الشركة، وطريقة إدارتها للشؤون التنظيمية، وذلك عبر خلق جو مليء بالظروف العادلة والود والاستقرار.
ولكن ما يجهله الكثيرون هو أن مهمة خلق بيئة عمل إيجابية، لا ينحصر فقط بدور ومسؤولية إدارة الشركات، بل أن هناك جزءاً من هذه المسؤولية، يقع على عاتق الموظف نفسه، حيث تؤكد الدراسات والوقائع أن نجاح الموظفين، وقدرتهم على الاستمرار بالعمل، يرتبط بحصولهم على أنواع معينة من الأصدقاء في مكان العمل، وتفاديهم لأنواع أخرى من الأصدقاء.
ودور الصداقات في مكان العمل، وكيفية جعلها الموظفين أكثر رضا وإنتاجية، هو أمر أكده العديد من الأبحاث واستطلاعات الرأي، التي قامت بها مؤسسات وشركات عديدة مثل "أوفيس تيم" و"جالوب" التي أظهرت بياناتها أن وجود صديق في مكان العمل، أصبح أكثر أهمية بعد ظهور وباء كوفيد-19، حيث عبر العمال عن حاجتهم المتزايدة للحصول على زميل ورفيق، يقدم لهم دعماً معنوياً.
وفي حين أنه من الطبيعي اتجاه الموظف نحو تكوين صداقات، مع الأشخاص من ذوي التفكير المماثل له، أو الفئة العمرية ذاتها، إلا أن للخبراء منظوراً مختلفاً لهذا التوجه، حيث يشددون على ضرورة قيام الموظف بتكوين صداقات بين زملائه، بناءً على أنواع شخصياتهم، إذ هناك ثلاثة أنواع محددة من الأصدقاء، تزيد من احتمالية استمتاع الفرد بوظيفته، وتمنحه القدرة على التقدم أكثر في العمل.
وتقول المستشارة مارلين سلهب وهي خبيرة إتيكيت ومدربة في تطوير الذات، في حديث لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن مكان العمل الذي يمضي فيه الإنسان أكثر من نصف حياته، يفرض على الفرد الاختلاط بأشخاص من توجهات مختلفة، لا تربطه بهم أي علاقة سابقة، مشيرة إلى أن الحياة المهنية تعتبر عالماً قاسياً، حيث إنه وفي حال أراد الموظف، أن يكون محاطاً بجو إيجابي، عليه اختيار ثلاثة أنواع من الأشخاص الذين يزيدون من استمتاعه بوظيفته، ويساعدونه على التقدم والتطور.
وبحسب "سلهب"، فإنه يجب على الموظف إعطاء الأولوية، لتكوين الصداقات مع الشخص المحب والمتفائل في مكان العمل، فهذه النوعية من الأشخاص يمكن أن تمنح الموظف دفعاً، للمضي قدماً في حال تعرض لانتكاسة، لافتة إلى أن الشخص المحب والمتفائل، يمكن الاعتماد عليه للحصول على تشجيع أو على نصائح، حول كيفية التعامل في المواقف الصعبة، كما أن هذه النوعية من الأشخاص، يمكن التحاور معها كونها تشعر مع الآخرين وتفرح للنجاح الذي قد يحققه غيرها، وهي تفعل هذا الأمر لثقتها بنفسها ولإدراكها أن دعم الآخرين، والفرح لهم لن يكون عائقاً أمامها، لتحقيق النجاح في مسيرتها المهنية.
وترى "سلهب" أن الأفراد الذين يتمتعون بشخصية قيادية، يعدّون من أهم الأصدقاء الذين قد يحظى بهم الشخص في مكان العمل، كونهم يمتلكون تأثيراً على أداء الموظف، فالشخص القيادي هو من أفضل الأشخاص في تقديم النصائح، ويحث على التمييز بين الخطأ والصواب، وعلى كيفية تحسين الفرد من أدائه، مشيرة إلى أن الأشخاص القياديين هم أشخاص على استعداد لمشاركة جميع المعلومات التي يمتلكونها، حيث يشجعون الموظف ويمنحونه الثقة، عبر القول له إنه قادرٌ على فعل العديد من الأمور، فاستراتيجية هؤلاء تعتمد على فكرة عدم الخوف من تقديم الدعم، كونهم يدركون أن مكان العمل يجب أن يضم أشخاصاً يملكون معلومات كافية وذات انتاجية كبيرة.
وتضيف أن الزملاء الذين يمتلكون شخصية قيادية، هم أشخاص رائعون لتكوين الصداقات، لأنهم متعاطفون، ويمكنهم مساعدة الناس على التعامل مع المشاعر والتحديات، وهم يتمتعون بديناميكية تخولهم النظر للأحداث بطريقة قد لا يفعلها الآخرون.
وبحسب المستشارة "سلهب"، فإن الأفراد الذين يتمتعون بشخصية مهنية، هم ثالث أنواع الشخصيات، التي يجب الحرص على تكوين الصدقات معها في مكان العمل، فهؤلاء يمنحون الفرد القدرة على التقدم أكثر في العمل، إذ يدركون ما هو هدفهم، ولا يتأثرون بالتعليقات السلبية التي قد تطالهم، كما أنهم دائماً يبحثون عن النقاط الجيدة في الشخص، ويعلمون كيفية خلق حدود تمنع تدخل الأشخاص في حياتهم الخاصة، لافتة إلى أن الشخص المهني يدرك ما هي الفوائد الحقيقية التي يمكن له تحقيقها من الصداقات، لذلك فإنه يحاول تعزيز التفاعلات الودية بينه وبين الموظفين الآخرين عبر خلق جو من الحماس والدعم.
وتابعت: على الرغم من أن صداقات العمل تجعل الموظفين أكثر سعادة في بيئة العمل، لكن قد تكون لها عيوب من ناحية أخرى، فعلى سبيل المثال قد تنعكس الخلافات الشخصية خارج العمل بين اثنين من الموظفين، على العمل نفسه، كما أنه يمكن أن تكون الصداقات في مكان العمل خادعة، لذلك ينصح بالتحرك بحذر وتروٍّ قبل طرح موضوعات حساسة، لتجنب المواقف السلبية التي قد تنتج عن هذا الأمر.
وشددت المدربة في تطوير الذات مارلين سلهب، على ضرورة الابتعاد عن تكوين صداقات، مع ثلاثة أنواع من الأشخاص في مكان العمل، النوع الأول يتمثّل بالأشخاص السلبيين والمتشائمين، الذين لا يرحبون بأي شيء إيجابي حتى لو كان مبهراً، فهم دائماً محبطون ويمتهنون الظهور بمظهر الضحية، أما النوع الثاني فهم الأشخاص الذين يدعون ويظهرون أنهم على معرفة ودراية بكل الأمور، في حين أن تصرفهم هذا يمنعهم من التقدم في أي مجال.
وبحسب "سلهب" فإن النوع الثالث الذي يجب أن يحرص الموظفون على عدم تكوين صداقات معهم، هم الأشخاص العدائيين، الذين يمتهنون نقل الكلام من طرف لآخر، والتكلم عن الآخرين، ويظهرون أنهم من الداعمين لأي طرف في حين أن الحقيقة هي عكس ذلك، حيث يحاول هؤلاء فعل المستحيل لتخريب أي تقدم يمكن أن يحققه الموظف.