وضع يهود "الحريديم" الحكومة الإسرائيلية في ورطة كبيرة بعد أن عاد موضوع إعفائهم من التجنيد الإجباري للواجهة مرة أخرى، ولاسيما مع إصدار المحكمة العليا الإسرائيلية أمرًا بتجميد أموال المدارس الدينية اليهودية التي تنشط فيها هذه الطائفة تمهيدًا لإلزامهم بالخدمة العسكرية.
وتُشكِّل تلك المسألة مأزقًا للحكومة الائتلافية بقيادة بنيامين نتنياهو؛ إذ تجد اختلافًا بين أعضاء الحكومة، ما بين مؤيد ومعارض لتمديد إعفاء "الحريديم"؛ وهو ما يهدد تماسك الحكومة، ويشي بتفككها وسط خطط لاجتياح رفح بريًّا، ويهدد بخسارة الحرب في غزة، بحسب تخوفات علنية لرئيس الوزراء الإسرائيلي.
تُعتبر "الحريديم" طائفة يهودية أصولية متطرفة، تُطبِّق الطقوس الدينية، وتعيش حياتها اليومية وفق التفاصيل الدقيقة للشريعة اليهودية، ولا ينخرطون في مؤسسات الدولة، ومنها الجيش، بل يتفرغون للانخراط في مدارس دينية، تسمى "اليشيفات"، حتى سن الأربعين، وتمولها الدولة.
وتعود قصة إعفائهم من التجنيد إلى عام 1951 حينما أصدر رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك ديفيد بن جوريون قرارًا لرئيس الأركان ييجال ييدين معلنًا إعفاء طلاب المدارس الدينية من الخدمة العسكرية الإلزامية. مشيرًا إلى أن هذا الإعفاء ينطبق فقط على الطلاب الذين يدرسون التوراة، وكان يبلغ عددهم حينها نحو 400 طالب.
وعلى مدار السنين التالية نما عدد شباب الطائفة الأصولية ليصل إلى نحو 66 ألفًا، وهم معفون من التجنيد الإجباري من أصل مليون و280 ألفًا إجمالي المجتمع الحريدي؛ وهو ما شكّل مادة للنقاش الساخن داخل المجتمع الإسرائيلي الرافض لتمييزهم عن بقية أفراده.
عادت مشكلة "الحريديم" للواجهة بسبب انتهاء سريان المدة الزمنية لإعفائهم بنهاية شهر مارس، قبل أن يمددها "نتنياهو" إلى نهاية إبريل حتى يتمكن من وضع قانون جديد للسماح لهم بالتجنيد، ولكن في قطاعات معينة من الجيش، وهو الأمر الذي يواجه أيضًا رفضًا من الطائفة الأصولية، الذين يرفضون تمامًا الالتحاق بالجيش، ويهددون بمغادرة البلاد نهائيًّا، كما يواجه رفضًا مماثلاً من الأحزاب العلمانية والمعارضة؛ لما فيه من شبهة استثناء لهذه الفئة من المجتمع.
ويهدد عدد من الوزراء بالانسحاب من الحكومة الائتلافية في حال إقرار قانون يعفي "الحريديم" من التجنيد، أو يمنحهم استثناءات؛ إذ شدد زعيم المعارضة يائير لابيد على ضرورة تجنيد شباب الطائفة على الفور، فيما هدد الوزير في مجلس الحرب بيني جانتس بالانسحاب من الحكومة في حال تم إقرار قانون التجنيد.
في الوقت نفسه، تمتلك الطائفة الأصولية المتطرفة نحو 7 حقائب وزارية في الحكومة الائتلافية، ويعارضون بشدة التحاق شبابهم بالخدمة العسكرية. فعلى سبيل المثال، هدد إسحق جولدكنوبف، وزير الإسكان والبناء ورئيس حزب يهدوت هتوراة (الحريدي)، بالانسحاب من الحكومة ما لم يتم منح "الحريديم" إعفاء دائمًا.
تلك المشكلة تهدد تماسُك الحكومة في وقت عصيب في خضم الحرب في غزة، وخطط اجتياح رفح غير المتوافق عليها مع الولايات المتحدة، ووسط دعم دولي متراجع لدولة الاحتلال نتيجة انتهاكاتها المستمرة في الحرب؛ إذ إن الاختلاف الآن وانسحاب الوزراء يعني الدعوة لانتخابات جديدة في هذا الوقت الحرج؛ ما يثير توجس وريبة "نتنياهو" من خسارة الحرب في غزة، والخروج صفر اليدين من المستنقع الذي جر بلاده إليه بأوهامه المتطرفة.