كشفت دراسة جديدة حول عملياتِ الاحتيال عبر الإنترنت القائمةِ على انتحال الشخصية وتزييف الهوية، عن زيادةٍ قدرها 10 أضعاف في عمليات الاحتيال المكتشفة والمعتمدة على التزييف العميق باستخدام الذكاء الاصطناعي، بين العامين 2022 و2023.
وحسب موقع "الحرة"، عرضت الدراسة التي أعدتها منصة "Sumsub"، تحليلًا شاملًا لعمليات الاحتيال القائمة على تزييف الهوية، وصنّفتها بحسب المناطق حول العالم، ووفق مجالات العمل التي تستهدفها، كما لفتت في تقريرها إلى أبرز الأساليب والأنماط المعتمدة لانتحال الصفات وتزوير الهوية.
و"Sumsub" هي إحدى منصات التحقق من الهويات التي تساعد الشركات على مراقبة الاحتيال في جميع أنحاء العالم، وتساهم في رفع وعي الناس لجرائم الاحتيال المتعلقة بسرقة الهوية وانتحال الشخصية.
واستخدم التقرير مصطلح "الاحتيال في الهوية" ليشير إلى استخدام البيانات الشخصية أو الهوية المزيفة دون تصريح، لأغراض ضارة؛ حيث حلل الاتجاهات والأنماط والتغيرات في عمليات "الاحتيال في الهوية" عبر سنوات الرصد، من خلال بيانات ناتجة عن أكثر من مليوني محاولة احتيال من 224 دولة ومنطقة حول العالم، ويشمل 28 مجال عمل؛ حيث قارن البيانات المجمعة (2021- 2022- 2023) لمراقبة الاتجاهات، وقدّم في الخلاصة استنتاجات شاملة حول ظواهر الاحتيال في الهوية.
ويقول التقرير إنه في السنوات الثلاث الماضية، تَطور مشهد الاحتيال مع تطوير تقنيات جديدة. واستنادًا إلى نتائج الدراسة؛ يتضح أن هناك اتجاهًا تصاعديًّا ملحوظًا في نِسَب الاحتيال المتعلق بالهوية؛ حيث أظهر المعدلُ زيادةً كبيرة، تضاعفت نسبتها من 1.1% في عام 2021، إلى 2% في عام 2023.
واستمرت أنماط الاحتيال المتعلقة بالهوية، في عام 2023، في التحول نحو تقنيات أكثر تعقيدًا وتطورًا، وبحسب التقرير؛ كان أبرز خمسة أنواع من عمليات الاحتيال هي:
ويُظهر التقرير أن بطاقة الهوية هي أكثر مستند عُرضة للخطر يتم استغلاله في عمليات الاحتيال؛ حيث تمثل ما يقرب من 75% من جميع الأنشطة الاحتيالية التي تنطوي على وثائق. وجاء بعدها جواز السفر، ثم رخصة القيادة ومن بعدها تصريح الإقامة.
وأظهرت الدراسة استهداف المحتالين بشكل متزايد للدول المتقدمة اقتصاديًّا؛ لأن هوياتها ووثيقة سفرها أكثر مصداقية وموثوقية.
ولا تزال تقنية التزييف العميق تُشكل تهديدًا كبيرًا في مجال الاحتيال المتعلق بالهوية؛ حيث أدت سهولة الوصول على نطاق واسع لهذه التقنية، إلى تمكين المجرمين -بحسب التقرير- من تزوير الصوت والصور والفيديو بطريقة واقعية للغاية بأساليب أسهل وأقل تكلفة؛ مما يخدع الأفراد وأنظمة منع الاحتيال، ويتسبب في فضائح لبعض المشاهير.
وحسب رئيس قسم الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي في "Sumsub"، بافل غولدمان كالايدين؛ فإن التزييف العميق للأصوات بات يُستخدم بكثافة لخداع الناس واختراق حساباتهم؛ حيث -على سبيل المثال- نجح صحفي في دخول حسابه المصرفي الخاص باستخدام نسخة طبق الأصل من صوته باستخدام الذكاء الاصطناعي.
وتقول الدراسة إنه على الرغم من الجهود المبذولة لتعزيز إجراءات الأمان؛ فإن عمليات الاستيلاء على الحسابات قد نمت بشكل ثابت.
وأظهرت إحصاءات المنصة الداخلية، ارتفاع حوادث الاستيلاء على الحسابات العالمية بنسبة 155% في عام 2023.
ويمكن أن يُعزَى التهديد المستمر للاستيلاء على الحسابات إلى عدة أسباب منها؛ التطور التقني الذي يتيح طرقًا أكثر تعقيدًا للاحتيال، واستغلال الثغرات البشرية، إلى جانب استغلال نقاط الضعف في النظام البيئي الرقمي.
ولمنع الاستيلاء على الحسابات؛ تحتاج الشركات -وفق التقرير- إلى نشر أنظمة متقدمة لمكافحة الاحتيال.
تشمل هذه الأنظمة المراقبة المستمرة لسلوك المستخدم والتنبيهات في الوقت الفعلي، إلى جانب إجراءات مثل المصادقة البيومترية وذكاء الجهاز والمزيد غيرها.
كان غسيل الأموال من بين مخططات الاحتيال المعقدة الأكثر شيوعًا؛ حيث يتم -بحسب الدراسة- تجنيد أفراد "يبدون أبرياء"، يجري استخدامهم في تحويل الأموال التي تم الحصول عليها بطرق غير شرعية، وإخفاء مصدرها.
يصف التقرير "التحقق القسري" بأنه اتجاه ناشئ في عمليات الاحتيال، يتم فيه التلاعب بالأفراد ليخضعوا لعملية التحقق لصالح المحتالين؛ حيث يتم سؤال البعض عبر الهاتف عن أرقام حساباتهم.
وفي حين أن التحقق القسري ليس منتشرًا حاليًا بشكل واسع؛ إلا أن قلق الخبراء يزداد بشأن تأثيره المحتمل.
ونشرت الدراسة علامات تدل على محاولة إجراء تَحقق قسري أبرزها: وجود أصوات مشبوهة أثناء مكالمة التحقق، مثل المحادثات في الخلفية أو الأصوات المتكررة، والسلوك غير المعتاد، مثل استخدام الهاتف أو الأجهزة الخارجية الأخرى أثناء التحقق.
أما الدول الأكثر عرضة للاحتيال في الهوية؛ فهي بنغلاديش حيث تبلغ نسبة عمليات الاحتيال 5.44% من إجمالي عدد عمليات التحقق التي أجرتها المنصة، يليها باكستان 4.59%، ثم لاتفيا 4.05%، هونغ كونغ 3.33% وتنزانيا 3.31%.
وبينما تستمر بنغلاديش وباكستان في تصدر القائمة منذ العام 2021 رغم انخفاض معدلاتهما؛ فقد تضاعفت معدلات الاحتيال المتعلق بالهوية في لاتفيا وهونغ كونغ أكثر من الضعف مقارنة بعام 2022.
وشهدت منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا زيادة بنسبة 450% في تقنية التزييف العميق، وتتصدر الإمارات العربية المتحدة لائحة دول المنطقة مع تسجيل 2200 عملية احتيال من هذا النوع، ويعود ذلك لحضورها القوي على الإنترنت والتقدم التكنولوجي والنمو السريع المرتبط ببيئة الأعمال.
يليها بين الدول العربية الجزائر (1000 حالة)، ثم السعودية (700)، المغرب (580)، ثم لبنان والأردن وإيران حيث سجل 500 حالة، تركيا (480)، الكويت (400)، مصر (300)، الصومال (200)، وسجل كل من اليمن وتونس وليبيا وقطر 100 حالة.
من جهتها، شهدت الولايات المتحدة وكندا وأوروبا ارتفاعًا في معدلات الاحتيال المتعلق بالهوية.
وترى الدراسة أن الذكاء الاصطناعي أحدَثَ ثورة في مكافحة الاحتيال؛ لكنه يأتي مع مجموعة تحديات خاصة به؛ ففي حين أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يكون سلاحًا قويًّا في منع الاحتيال؛ فإنه يمكن أيضًا استغلاله من قِبَل المحتالين الذين يستخدمونه لمصلحتهم.
ويُعتبر الذكاء الاصطناعي سلاحًا دفاعيًّا قويًّا ضد موجة الاحتيال المتصاعدة المتعلقة بالهوية. ومع تطور أساليب الاحتيال وازدياد تعقيدها، أصبحت حلول منع الاحتيال التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي أداة لا غنى عنها للمؤسسات والأفراد على حد سواء.
ويمكن لأنظمة الذكاء الاصطناعي حتى التحقق من الهويات باستخدام البيانات الحيوية؛ مما يقلل من مخاطر الوصول غير المصرح به.
وعليه بات من المهم -وفق التقرير- الاستفادة من إمكانات الذكاء الاصطناعي مع الحفاظ على التقدم بخطوة واحدة على أولئك الذين يسعون إلى استغلاله.