كشفت جلسة حواريّة ضمن جلسات "مجلس تعاليل" الذي أقامه مركز الملك عبدالعزيز الثقافي العالمي (إثراء)، خلال شهر رمضان المبارك، أن احتساء القهوة يتنامى عالميًا، حيث تبيّن إحصاءات حديثة أن 50 ألف كوب من القهوة يتم تناولها في الثانية الواحدة، بينما يبلغ عدد الأكواب التي يتم احتساؤها يوميًا 2 مليار كوب من القهوة في شتى أنحاء العالم.
وتطرقت نقاشات الجلسة لمساهمات قسم المواطنة في أرامكو السعودية في دعم مبادرة زراعة وإنتاج القهوة في المملكة؛ من خلال استزراع 203 آلاف شتلة قهوة وتدريب مزارعي القهوة على تقنيات الزراعة الحديثة، بالإضافة إلى توفير الأدوات اللازمة لتعزيز جودة المحصول وزيادة إنتاج البن الخولاني السعودي، مما ساهم في رفع الإنتاج 10 أضعاف، وعزز تحقيق التنوع والنمو المستدام بما يتماشى مع أهداف رؤية 2030.
وأشار الباحث والمؤلف عبدالكريم الشطي، صاحب كتاب "سفر القهوة"، إلى أنه لا يمكننا مقارنة ثقافة القهوة بثقافات أخرى، فلكل حضارة طابع مُغاير عن الأخرى، بيد أن الحضارة العربية اعتزت بالقهوة التي يعود تاريخها إلى نحو 700 عام. كما سلط الضوء على خفايا وأسرار اكتشاف القهوة التي تتسيّد وتنتقل من جغرافيا إلى أخرى.
وسرد الشطي في الجلسة التي شارك بها المزارع والمستثمر في البُن الخولاني فيصل الريثي، وأدار حوارها المستشار الثقافي في مركز الملك عبدالعزيز الثقافي العالمي (إثراء) طارق خواجي، تاريخ القهوة والحقائق حولها، إلى جانب علاقتها بالإنسان والمجتمعات، إذ كانت تمثل جزءًا من عوامل انقسامات حضارتي البدو والحضر، فلكلٍ منهما طقوس مختلفة ذات دلائل. ارتبطت القهوة بعلاقات الدول وتركت تأثيرًا عميقًا يدعو للتأمل فيها والاعتناء بها.
وقدّم الشطي التاريخ الذي امتدّ بين جذور القهوة في العالم العربي ومالها من تأثيرات اتسمت بالجدل وانعكست على الأدب والشعر وثراء الكتّاب، كما كان لها حضورًا بارزًا في المنتديات الثقافية والمجالس الاجتماعية، مبينًا سرّ انتشارها عربيًا وعالميًا إلى أن أصبحت رمزًا للكرم والضيافة، كما أنها تعبّر عن القيم وفضاء الأحاديث، وهذا ما يبدو جليًا في كتابه "سفر القهوة"، الذي جرى توقيعه على هامش الجلسة الحوارية، إذ يعد الكتاب أول عمل روائي عربي يسرد تاريخ ورحلة القهوة لأكثر من 500 عام، مرورًا ببدايات إنتاجها وصولًا إلى سدّة العالم.
وفي السياق ذاته، أبان المزارع والمستثمر في البُن الخولاني فيصل الريثي، أن هناك عوامل مؤثرة في البيئة التي يتم فيها زراعة البُن، حيث يشترط بأن تكون بأعالي الجبال ومرتفعة عن سطح البحر من 800 إلى 2200 متر، ويصل ارتفاع الشجرة الواحدة أحيانًا إلى 10 أمتار.
فيما تناولت الجلسة الختامية من "مجلس تعاليل" طقوس القهوة الشعبية وأبرز أدواتها ومقتنياتها في الجزيرة العربية، باستضافة مؤسس أول متحف للقهوة وباحث في تاريخها عبدالله الهجرس، والراوي الشعبي السعودي محمد الشرهان، حيث سلطت الضوء على تجربة فنجان القهوة السعودية وتاريخ المتاحف الذي احتفظ بذاكرة مليئة تفوح بعبق الماضي وأصالة الحاضر.
تجدر الإشارة إلى أنه توجد أشجار بُن معمّرة في منطقة جازان تصل أعمارها إلى أكثر من 300 سنة، علمًا بأن الدراسات تشير إلى أن الأشجار المعمّرة من البُن لا تزيد على 70 عامًا. وعدّد الريثي أبرز السمات للبُن الخولاني الذي تشتهر مرتفعات جازان بإنتاجه ويعد من بين أجود أنواع البُن عالميًا، حيث يتم تصدير الفائض منه عالميًا، إضافةً إلى قدرته في دعم الموارد المحليّة في إنتاج القهوة.