برع العرب في الكلام، حتى كتبوا الكتب في جمال اللغة وبلاغتها، ومما وقفوا أمامه الأجوبة المسكتة المستحسنة، والتي يظهر فيها قوة السؤال وبراعة وذكاء الأجوبة.
وفي كتابه "المستطرف في كل فن مستظرف" خصص الكاتب شهاب الدين محمد بن أحمد أبي الفتح الأبشيهي، بابًا كاملاً للأجوبة المسكتة المستحسنة هو الباب الثامن وعنوانه "في الأجوبة المسكتة والمستحسنة ورشقات اللسان وما جرى مجرى ذلك".
سؤال العباس من أكبر (سنا)
ومن ذلك روى الأبشيهي " قيل إن رجلاً سأل العباس رضي الله عنه أأنت أكبر (سنًا) أم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال ( العباس) رسول الله صلى الله عليه وسلم أكبر، وأنا ولدت قبله".
فعلى الرغم من أن الرجل يقصد عمر العباس مقارنة بالرسول صلى الله عليه وسلم، إلا أن العباس استحى أن يقول إنه أكبر من الرسول صلى الله عليه وسلم، فجاء جوابه الذكي "أنا ولدت قبله".
علي بن أبي طالب رضي الله عنه واليهودي
وقال يهودي لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه ما لكم لم تلبثوا بعد نبيكم إلا خمس عشرة سنة حتى تقاتلتم فقال علي كرم الله وجهه ولِم أنتم لم تجف أقدامكم من البلل ( عقب عبوركم البحر مع موسى عليه السلام)، حتى قلتم يا موسى ( عليه السلام ) أجعل لنا إلهًا كما لهم آلهة ( أي أشركتم وكفرتم بنبيكم).
الحجاج ومجنون بني عجل
ومن ذلك ما حكي أن الحجاج خرج يومًا متنزهًا فلما فرغ من نزهته صرف عنه أصحابه وانفرد بنفسه فإذا هو بشيخ من بني عجل فقال له: من أين أيها الشيخ، قال: من هذه القرية، قال (الحجاج): كيف ترون عمالكم ( موظفي الحكومة)، قال ( الشيخ ): شر عمال يظلمون الناس ويستحلون أموالهم، قال: فكيف قولك في الحجاج ( ما رأيك في الحجاج )، قال ( الشيخ): ذاك ما ولى العراق شر منه قبحه الله وقبح من استعمله ( من عينه في الولاية)، قال: أتعرف من أنا ؟ قال: لا ، قال: أنا الحجاج، قال: جعلت فداك ( روحي فداك) أو تعرف من أنا؟ قال ( الحجاج ): لا، قال ( الشيخ ): فلان بن فلان مجنون بني عجل أصرع في كل يوم مرتين ( زعم الشيخ أنه مجنون حتى ينجو مما قاله ذمًا في الحجاج ، وهي إجابة ذكية)، قال ( الراوي ): فضحك الحجاج منه وأمر له بصلة ( مال).
الملك والوزير
وقال ملك لوزيره ما خير ما يرزقه العبد قال عقل يعيش به قال فإن عدمه ( لم يكن له عقل) قال أدب يتحلى به قال فإن عدمه قال مال يستره قال فإن عدمه قال فصاعقة تحرقه وتريح منه العباد والبلاد.
خشب السقف
وقال رجل لصاحب منزل أصلح خشب هذا السقف فإنه يقرقع ( يصدر صوتًا كأنه ينكسر )، قال لا تخف فإنه يسبح (لله) قال إني أخاف أن تدركه رقة فيسجد (يسقط وينهار).