ترصد الكاتبة الصحفية د. سهيلة زين العابدين حماد، أربعة أسباب ثقافية وتربوية وراء عنف الرجل ضد المرأة في المجتمعات العربية والإسلامية، والذي يصل إلى قتل المرأة التي ترفضه، أو الزوجة التي تعارضه، مشيرة إلى حوادث شهيرة، مثل مقتل الطالبة المصرية "نيّرة أشرف"، مطالبة بتصحيح الخطاب الديني، وتنقيته من المفاهيم الخاطئة للآيات المتعلقة بالمرأة، وعلاقاتها الأسرية والزوجية، وذلك من أجل حماية المرأة.
عنف الرجل ضد المرأة
وفي مقالها "لماذا يقتل الرجل المرأة التي ترفضه.. والزوجة التي تعارضه؟!" بصحيفة "المدينة"، تقول حماد: "عنف الرجل ضد المرأة يأخذ حيزًا كبيرًا من قضايا المجتمعات، ولعل من أبرزه أخيراً قتل من رفضت الارتباط به، مثل (نيّرة أشرف)، طالبة جامعة المنصورة التي ذبحها زميلها عند أسوار جامعتهما، لرفضها الزواج منه، وقبلها قتل شاب لخمسة أفراد من أسرة واحدة في الريف الأوروبي بمدينة الشيخ زايد بمصر، لضبطه من قِبَل أهلها؛ حال شروعه في اغتصاب من رفضت الزواج به، ليُجبرها على زواجها منه، فقتلهم جميعًا لئلّا يُفتضح أمره، وقبل ذلك قتل زوج لزوجته أمام طفليهما في عيد الفطر ببيت أهلها بمنطقة عسير لخلاف بينهما. فلماذا يقتل الرجل المرأة التي ترفضه، والزوجة التي تعارضه؟!".
النظر إلى المرأة على أنّها مملوكة للرجل
وترى "حماد" أن أول الأسباب هو تفسير بعض علماء الدين للآيات والأحاديث، بطريقة جعلتهم ينظرون إلى المرأة على أنّها مملوكة للرجل، وتقول: "إن بعض فقهاء المسلمين مازال ينظر إلى المرأة بأنّها مملوكة للرجل، خُلقت لمتعته وخدمته، فأقاموا خطابهم الديني على ذلك، وقد وُضعت بعض مناهج التعليم في بعض الدول بموجب هذا الخطاب، ودُعِّمت بأحاديث ضعيفة وموضوعة ومفردة، تدعم تفسيراتهم الخاطئة.. فنجد الشافعية اعتبروا عقد الزواج (عقد تمليك)، واعتبره الأحناف (ملكاً للذات) في حق الاستمتاع، وجاءت مقولة الإمام الزهري التي أوردها ابن قدامة في كتابه المغني في كتاب الجِراح، فصل: ولو قتل أحد الأبويْن صاحبه ولهما ولد (6626): لا يقتل الزوج بامرأته لأنّه ملكها بعقد النكاح، فأشبه الأّمَة، مع أنّ الإسلام لم يبح قتل العبيد والإماء، لقوله عليه الصلاة والسلام: (من قتل عبداً قتلناه)، ونلاحظ هنا أنّ ابن قدامة لم يُوافق الإمام الزهري قوله على الزوجة (أشبه الأَمَة)، فقال: (وقوله إنّه ملكها غير صحيح، فإنّها حُرّة، وإنّما ملك منفعة الاستمتاع، فأشبه المستأجرة)".
وقول ابن القيم في إعلام الموقعين: (إنّ السيد قاهر لمملوكه، حاكم عليه، مالك له، والزوج قاهر لزوجته، حاكم عليها، وهي تحت سلطانه وحكمه شبه الأسير)، وقول ابن علي الجوزي في أحكام النساء: (وينبغي للمرأة أن تعرف أنّها كالمملوك للزوج.. وينبغي لها الصبر على أذاه كما يصبر المملوك)، وغيّروا مفهوم القوامة، فحوّلوا معنى القوّام أي القائم بشؤون من هو قوّام عليهم، وتلبية احتياجاتهم، إلى القيِّم، وجعلوا القوامة للرجل، ولم يوجب الأئمة الأربعة علاج الزوجة، واعتبروها في حالة مرضها دار مستأجرة، على صاحب الدار إصلاح ما بها من خلل، فهي في حال صحتها أَمَة مملوكة، وفي حال مرضها دار مستأجرة".
التنشئة الأسرية
وترى "حماد" أن السبب الثاني يكمن في التنشئة الأسرية، وتقول: "بموجب هذا الخطاب، قامت التنشئة الأسرية للبعض، والتي كان لها دور كبير في ممارسة الرجل للعنف ضد المرأة. فهي محبوسة له بحكم نفقته عليها، ووقتها كله؛ ملك له، فإن أنفقته في عمل خارج البيت، فله حق في راتبها، وبعض المناهج الدراسية وخُطب بعض الأئمة عزّزت هذه المفاهيم بأحاديث ضعيفة وموضوعة كحديث: (لو كان ينبغي لبشر أن يسجد لبشر لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها، إذا دخل عليها لما فضّله الله عليها)".
حتى الدراما التلفزيونية والسينمائية
وترى "حماد" أنه "حتى الدراما التلفزيونية والسينمائية نمّت شعور استعلاء الرجل على المرأة، وصفعها على وجهها، وضربها وتعذيبها، إن خالفته. مع أنّه لم يُؤثر عن الرسول ضرب امرأة قط، لأنّ معنى (واضربوهن)، تعني المفارقة والمباعدة، وليس الضرب البدني.. فإذا تربَّى الرجل ونشأ على أنّه السيد الآمر للمرأة، فهي الآمة الخانعة الخاضعة له، وبهذا أُعطي الضوء الأخضر ليمارس مع زوجته كل أنواع العنف، وإن دبّ خلاف بينه وبينها وجادلته، قتلها".
مشكلة مواقع التواصل
وحسب الكاتبة، فقد أسهمت مواقع التواصل الاجتماعي في المشكلة بصورة سلبية، وتقول: "مع الأسف نجد في مواقع التواصل من يحاول إيجاد المبررات للجاني قتل الضحية، لأنّه رجل، وإلقاء اللوم على الضحية لأنّها امرأة، ويصل دفاع البعض عن الجاني أنّ مظهر الفتاة وملابسها وعدم التزامها بالحجاب من أسباب قتلها، من ذلك ما قاله الشيخ (مبروك عطية) عن قتل فتاة المنصورة؛ إذ قال: (لو حياتك غالية عليكي اخرجي من بيتك قُفّة)، وهو بهذا القول أعطى للجاني وأمثاله الضوء الأخضر لقتل الفتيات، لأنّهن لم يخرجن من بيوتهن زي القُفّة!، مع أنّه لا يوجد نص في القرآن والسُّنة يُبيح دماء غير المُحجبات".
فتيات محجبات قُتِلن
وترفض "حماد" أن تكون المطالبة بالحجاب، مبرراً للقتل، وتقول: "إنّ مطالبة الفتاة بالحجاب في هذه الحالة ليست مبررًا لقتل نيّرة أشرف، لأنّ فتيات محجبات قُتِلن وهن محجبات مثل: قتيلة الريف الأوروبي بمدينة الشيخ زايد، وطالبة كلية العلوم التطبيقية الأردنية التي قُتلت في جامعتها الأسبوع الماضي بست رصاصات، وبسنت خالد التي انتحرت، لتعرُّضها للابتزاز الإلكتروني بفبركة صور لها، ممّا أدّى إلى انتحارها.. فالقتل هنا لا علاقة له بالحجاب، وإنّما يرجع إلى الخطاب الديني من قِبَل بعض الفقهاء، وكذلك التنشئة، فهذان العاملان يتصدَّران أسباب عنف الرجل ضد المرأة بما فيه القتل".
لا بد من تصحيح الخطاب الديني
وتنهي الكاتبة قائلة: "حمايةً للمرأة، لابد من تصحيح الخطاب الديني، وتنقيته من المفاهيم الخاطئة للآيات المتعلقة بالمرأة، وعلاقاتها الأسرية والزوجية، وليعلم المسلمون كافة بأن خيار الناس خيارهم لنسائه، وأنّه -عليه الصلاة والسلام- خيارهم لنسائه، وأنّ الإحسان إلى البنات أو الأخوات يُدخل الجنة.. وإن وجد الزوجان استحالة استمرار الزوجية بينهما، فيفترقان بمعروف.. فإن ربينا أولادنا على هذا الخطاب الإلهي المُنزّل، وعلّمناهم إياه، لن يكون هناك عنف ضد النساء، ولا قتل".