من "مُعايد القريتَيْن" وما حدث له في رحلته إلى وصية الغراب لابنه، ومن الرجل الذي يأكل بيديه ورجليه إلى عرضة الأرنب، تحمل الأمثال والحِكم خلاصة تجارب الشعوب والأمم. ونبدأ اليوم بأمثال من منطقة الجوف.
وتقول "موسوعة المملكة العربية السعودية" عن الأمثال الشعبية في الجوف: "ليس هناك اختلاف كبير بين الأمثال الشعبية السائدة في منطقة الجوف والأمثال في باقي مناطق السعودية، بل إنها تشاركها في كثير من مفرداتها ومعانيها.. وبعضها يُعدُّ من الأمثال العربية الفصيحة، وقد دخلت عليها بعض العبارات من اللهجات المحلية، واحتفظ المَثل بمعناه ومضمونه".
وتضيف الموسوعة: "تحفل المنطقة بكثير من الأمثال الشعبية ذات المستوى الرفيع في الألفاظ والعبارات، وهي أمثال عربية أصيلة في معناها على اختلاف لهجاتها.. وهي شائعة في منطقة الجوف، سواء عند الحاضرة أو البادية".
ويقال في الرجل الجشع الذي أراد الحصول على أمرين معًا فخسرهما معًا. وقصة هذا المثل تقول: إن رجلاً في يوم عيد أراد أن يأكل طعام العيد في قريته وفي القرية المجاورة؛ فذهب منذ الصباح يجري إلى القرية المجاورة فوجدهم قد أكلوا طعام العيد؛ فضرب كفًّا بكف، وعاد مسرعًا إلى قريته فوجدهم قد أكلوا أيضًا؛ فخسر الاثنين معًا، ونال ما نال من لوم الآخرين. ويُقال هذا المثل في الرجل الذي يريد أن يضرب عصفورين بحجر واحد، ويفشل في اصطياد الاثنين. قال الشيخ (خلف الأذن):
"غــديت مثــل مُعــايد القـريتَيْن لا حاش فـود ولا سـلم مـن ملامه"
يُقال إن الغراب من أشد الطيور حذرًا، وإنه وصَّى ابنه يومًا فقال: (عندما تشاهد ابن آدم يمد يده إلى الأرض طر سريعًا). قال الفرخ: (لماذا؟). قال الأب: (لأنه يريد أن يأخذ حجرًا ليرميك به). فرد عليه الفرخ: (بل سوف أطير لمجرد أن أراه). فقال أبوه: (لماذا؟). فقال الفرخ: (أخاف أن يكون الحجر في جيبه "عبه"). قال الأب: (بارك الله فيك). ويضرب هذا المثل في كل رجل حذر حذرًا شديدًا.
وهو اسم محلي لطائر ينتقل من مكان إلى آخر، ويتبعه رعاة الأغنام دون أن يمسكوا به ظانِّين أنهم سوف يمسكونه لوقوعه بالقرب منهم، إلى درجة أنهم ينشغلون به عن أغنامهم أو مواشيهم. ويضرب هذا المثل في الشخص الذي يأتي للهو عند العاملين، ويشغلهم عن أعمالهم.
يقال هذا المثل لئلا يتعجل الشخص بالكلام؛ إذ عليه أن يفكر قبل أن تخرج الكلمة من فمه. والهدف من هذا المثل ألا يتكلم الإنسان كلامًا يندم عليه فيما بعد.
وقد تناول الكاتب الصحفي ناصر الحميضي هذا المثل في صحيفة "الرياض"، وقال: "قال أحد الذين ذاقوا طعنة اللسان وجراحه وهو يعتصر ألمًا بعدما انفلت لسانه، وعجز عن رد الكلمة التي خرجت منه لتطعن غيره.. قال وهو في ألم أشد من ذاك الذي أصابته الكلمة، بل إنه يماثل من ارتدت إليه رصاصة، قال: (ليت لي حلق مثل حلق النعامة)، يعني رقبة طويلة بطول رقبة النعامة، فسأله من سمع مطلبه لماذا؟ قال: حتى تتأخر الكلمة عن الخروج، وأفكر فيها طويلاً قبل أن تظهر لمن أمامي، فإن كانت سيئة رددتها، وإن كانت حسنة أطلقتها. ولعله يظن أن الرقبة الطويلة كالنعامة والزرافة والبعير تعطي فرصة أطول لخروج الكلمة التي يتنازعها العقل والقلب، ثم يؤمر بها اللسان، فتخرج بعد طول الطريق، فيكون هناك فرصة لتميُّز نوع الكلمة والتفكير فيها".
يُضرب هذا المثل فيمن يأكل كثيرًا، وبشراهة. وهو لا يضرب في الطعام فقط، بل يشمل ذلك التجارة والشؤون المالية عامة؛ فهو يحمل معنى الجشع الشديد في كل شيء.
عرضة الأرنب "مقابلة أو مشاهدة الأرنب" يتشاءم منها المسافر؛ لأنها إذا عرضت له تبعها، ونسي سفره، وربما أوقعته في حوادث لا تُحمد عقباها. ويُضرب المثل لما يشغل الإنسان عن طريقه، ويعرضه للأخطار.
يُقال هذا المثل في الرجل الذي يميل إلى الهدوء، ولكن لا يؤتمن جانبه، وبخاصة الرجل الغدار؛ لأن العقرب الذي في التبن يخرج فجأة ويلدغ.
تقع منطقة الجوف في شمال السعودية، وتصل مساحتها الإجمالية إلى 85.000 كيلومتر مربع، ويزيد تعدادها السكاني على أكثر من 600 ألف نسمة، وتضم الجوف منطقة واسعة، تشمل سكاكا ودومة الجندل والقريات، وغيرها من المدن والقرى والهجر.
وتعني الجوف لغويًّا الجزء المنخفض أو المطمئن من الأرض عما حوله. وكانت الجوف تسمى قديمًا (جوف آل عمرو) نسبة إلى سكانها الأقدمين، وهم بنو عمرو من قبيلة طيئ، فيما كانت طيئ تسكن جوف الخنقة، ثم جوف طريب في جنوب الجزيرة، ثم انتقلت إلى شمالها من الجبلين ورمل عالج، وهو رمل بحتر (النفود الكبير)، ثم الجوف (دومة الجندل).
وفي قول آخر فإن للجوف اسم قديم لمنطقة الجوف، سميت به لانخفاض أرضها عما حوله، وتسمى الجوبة. والجوبة هي الحفرة أو المكان الوطيء. كما تسمى النقرة، وأطلق عليها قديمًا وادي النفاخ. يقول عبدالرحمن السديري في مقدمة كتابه (وادي النفاخ): الجوف وادي النفاخ. إن هذا اللقب كناية عن إكرام أهلها لضيفهم حتى ينتفخ بطنه.