"تيك توك" بين قانون أمريكي وخوارزمية صينية.. معركة على 170 مليون مستخدم

الولايات المتحدة تسعى لمنع أي تأثير خارجي على خطابها العام
"تيك توك" بين قانون أمريكي وخوارزمية صينية.. معركة على 170 مليون مستخدم
تم النشر في

في خطوة تعكس تعقيد العلاقة بين التكنولوجيا والسياسة، دشّن البيت الأبيض مؤخرًا حسابًا رسميًا على تطبيق "تيك توك"، بينما أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في اليوم نفسه أن "هناك مشترين أمريكيين جاهزين لشراء التطبيق"، مؤكدًا استعداده لتمديد المهلة المحددة للبيع إذا اقتضى الأمر.

ووفقًا لوكالة "رويترز"، قال ترامب إن المخاوف الأمنية والخصوصية "مبالغ فيها"، وإنه لم يتحدث بعد مع الرئيس الصيني شي جين بينغ بشأن الصفقة، في إشارة إلى أن باب التفاوض لا يزال مفتوحًا.

هذا التناقض بين إطلاق حساب رسمي للبيت الأبيض وتهديدات الحظر يعكس أزمة ممتدة منذ خمس سنوات، إذ تجد الولايات المتحدة نفسها أمام تطبيق صيني يستخدمه أكثر من 170 مليون أمريكي يوميًا، بينما تصر بكين على أن الخوارزمية التي تعتمد عليها المنصة "سر سيادي" لا يمكن بيعه أو نقله إلى الخارج.

من "ميوزيكلي" إلى المحكمة العليا

تعود بداية الأزمة إلى عام 2020، حين أمرت إدارة ترامب شركة "بايت دانس" المالكة للتطبيق ببيع عملياته الأمريكية بدعوى حماية الأمن القومي. وردت الصين بإصدار قرار أدرج "خوارزميات التوصية" ضمن قائمة الصادرات المقيدة.

ووفقًا لوكالة "بلومبرغ"، شمل القرار تقنيات الذكاء الاصطناعي التي تُستخدم لتخصيص مقاطع الفيديو، وأخضعها لمراجعة حكومية قبل أي عملية بيع أو نقل.

لاحقًا، طرحت "تيك توك" مشروع "تكساس" عام 2022، لتخزين بيانات المستخدمين الأمريكيين على خوادم داخلية تديرها "أوراكل"، بإشراف مباشر على الأمان. لكن المشرعين اعتبروا أن التهديد لا يقتصر على البيانات، بل يشمل الخوارزمية ذاتها.

وفي 24 أبريل 2024، أُقر قانون "حماية الأمريكيين من التطبيقات الخاضعة لخصوم أجانب" (PAFACA)، والذي يُلزم "بايت دانس" ببيع أصولها الأمريكية خلال مهلة محددة أو مواجهة الحظر الكامل. وصادقت المحكمة العليا الأمريكية على القانون في 17 يناير 2025، مؤكدة أن عدد المستخدمين في الولايات المتحدة تجاوز 170 مليونًا.

لماذا التركيز على النسخة الأمريكية؟

لا تستطيع الولايات المتحدة فرض بيع عالمي، لكنها قادرة على حظر التطبيق محليًا. لذلك، يتركز النقاش حول "النسخة الأمريكية" فقط، بما يشمل الأصول التشغيلية، مراكز البيانات، العقود الإعلانية، ووظائف الموظفين.

في المقابل، ترى بكين أن الخوارزمية جزء من "السيادة التقنية". ووفقًا لـ"أتلانتك كاونسل"، فإن قرار إدراج الخوارزميات ضمن الصادرات كان خطوة استباقية لمنع إجبار الشركات الصينية على التخلي عن أسرارها.

وتشير تقارير إلى أن "بايت دانس" تعمل على تطوير نسخة منفصلة للسوق الأمريكي، بخوارزمية وبيانات مستقلة، تحضيرًا لأي صفقة محتملة.

الموقفان الأمريكي والصيني

في واشنطن، يُنظر إلى الملف من زاوية الأمن القومي. ووفقًا لـ"لوفير"، فإن مشروع "تكساس" لم يُرضِ الكونغرس، الذي رأى أن التهديد يتجاوز البيانات إلى احتمالات التلاعب بالخطاب السياسي أو نشر التضليل.

أما الصين، فتعتبر ما يجري "بيعًا قسريًا تحت ضغط سياسي"، وتصر على أن أي صفقة يجب أن تخضع لمراجعة وزارة التجارة الصينية بموجب قوانين التصدير. ووفق "رويترز"، أكدت الوزارة في أبريل 2025 أن أي اتفاق يتعلق بـ"تيك توك" يجب أن يتماشى مع القوانين الصينية، خصوصًا المتعلقة بتصدير التكنولوجيا.

أثر سياسي واجتماعي متزايد

الجدل القانوني يمتد إلى سؤال أوسع: هل تؤثر خوارزمية "تيك توك" على السياسة الأمريكية؟ دراسة منشورة على موقع arXiv في يناير 2025 أظهرت ميولًا حزبية في توصيات المنصة خلال انتخابات 2024، لكنها نتائج أولية وتحتاج إلى مزيد من التحقق.

وتغيرت مواقف الرأي العام، إذ تراجعت نسبة المؤيدين لحظر التطبيق من 50% في 2023 إلى 34% فقط في مارس 2025، وفقًا لمركز "بيو" للأبحاث.

ماذا بعد؟

السيناريو الأقرب هو إتمام صفقة بيع جزئي أو فصل للعمليات الأمريكية، تدار من قِبل مستثمرين أمريكيين، وربما "أوراكل" التي تمتلك البنية التحتية السحابية. ووفقًا لـ"رويترز"، برز عدد من المستثمرين الأمريكيين كشركاء محتملين للصفقة.

لكن تبقى القوانين الصينية الصادرة في 2020 عائقًا أمام نقل الخوارزمية، مما يجعل أي صفقة مستقبلية محصورة بترخيص تشغيل فقط.

صدام السيادات

لم تعد "تيك توك" مجرد منصة للترفيه، بل تحولت إلى ساحة صراع بين الولايات المتحدة والصين. الأولى تسعى لحماية بياناتها العامة، والثانية تتمسك بسيادتها على تقنياتها.

وبين واشنطن وبكين، هناك 170 مليون أمريكي يفتحون التطبيق يوميًا، متسائلين: هل سيستمرون في استخدام النسخة الحالية، أم سيجدون أنفسهم أمام نسخة أمريكية جديدة، مفصولة ومحدودة؟

تحليل ختامي

رغم لهجة التهدئة في تصريحات ترامب، إلا أن القرار النهائي لا يعود للبيت الأبيض وحده. فبكين تملك "بطاقة الخوارزمية"، وهي الورقة التي تجعل أي صفقة مشروطة بموافقتها.

السيناريو الأقرب هو ترخيص محدود لتشغيل نسخة أمريكية مستقلة، دون نقل الخوارزمية الأصلية، حفاظًا على السيادة الصينية. أما فرض بيع كامل، فسيُواجه على الأرجح بالرفض من بكين، ما يرسّخ فصلًا بين النسختين الأمريكية والعالمية ضمن حدود تشغيلية فقط.

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org