تستمر "سبق" في تسليط الضوء على حضارات الجزيرة العربية التي اندثرت منذ آلاف السنين في سلسلة "حضارات أرض الجزيرة العربية" ووفقًا لقدم الحضارات التي سكنت الجزيرة، اكتشف العلماء حضارة المملكة الكاسرة وهي من الحضارات التي ظهرت في شمال غرب الجزيرة العربية بالقرب من تبوك حاليًا ما بين العام 600 ق.م، إلى العام 420 ق.م.
تشير المخطوطات الأثرية إلى أن مملكة لحيان في الكتابات والنقوش المعينية عُرفت أولاً باسم ددن.
وأظهرت الأعمال الأثرية في جنوب الجزيرة العربية وشمالها أن شعب "الدادان" عاش كشعب مستقل على الرغم من تبعيته في شمال الجزيرة العربية وتوسعت من الخريبة حتى مدينة العلا، ودل على ذلك الاتساع الكبير للكتابات اللحيانية التي اكتشفت في تلك المدن.
المملكة الكاسرة
نشأت في القرن السادس قبل الميلاد هي مملكة تابعة لمعين، عكست الآثار المكتشفة قوة هذه الحضارة الهائلة حتى إن الشعوب المجاورة أطلقت عليهم بنو الكاسرة أي أبناء الحضارة الهائلة، بالإضافة إلى التقدم المعماري والحضاري مثل مقابر الأسود وهي مقابر أثرية منحوتة في الجبال على شكل أسود ومحلب الناقة وهو حوض دائري الشكل منحوت في الصخر.
ويؤكد الدكتور سليمان بن عبدالرحمن الذيب أستاذ الآثار بجامعة الملك سعود لـ"سبق"، أن مملكة دادان أدت دورًا حضاريًا متميزًا وتحديدًا فيما بين القرنين العاشر إلى السادس قبل الميلاد وعمقها التاريخي يعود حسب الدراسات إلى العصر الحجري القديم فقد بيّنت الدراسات عن مجموعة من المواقع ذات الاستقرار المؤقت تعود إلى ذلك العصر.
وأوضح "الذيب" أن المستكشفين اكتشفوا نقشًا آراميًا يعود للقرن العاشر قبل الميلاد، وفي هذا النقش ذكر صريح لمملكة دادان مما يؤكد مدى قدمها في الجزيرة العربية بالإضافة إلى اكتشاف أسماء خمسة ملوك لمملكة دادان وجدت بمنطقة تبوك.
أضاف "الذيب": لاحقًا دفع موقعها الاستراتيجي وبيئتها وطبيعتها الخلابة الإنسان العربي القديم إلى الاستقرار الدائم فيها منذ العصر الحجري الحديث، وتكونت مع الوقت وبجهد من أهلها سمعة طيبة لمدينة ديدان وسكانها حتى إنها بدأت تعرف منذ بداية الألف الأول قبل الميلاد بمملكة ديدان ولشهرتها ومكانتها نجدها بحكم علاقاتها الاقتصادية مذكورة في كل المصادر المعاصرة لها آنذاك المسمارية والآرامية والثمودية والكتب الدينية وغيرها وتوسعت هذه المملكة شمالاً حتى سيطرة على الخليج لحيان كما أسمته المصادر الكلاسيكية والمعروف حاليًا بخليج العقبة وشرقًا إلى تيماء وجنوبًا إلى مدينة الحِجر النبطية أما غربًا فكان البحر الأحمر مفتاحها في علاقاتها التجارية مع إفريقيا وتحديدًا مصر.
واستكمل قائلاً: قبل ثلاثة عشر عامًا وتحديدًا في العام الهجري 1425 بدأ قسم الآثار بجامعة الملك سعود عمليات التنقيب بالموقع ونتج عن هذه المواسم الثلاثة عشر الكشف عن المعبد الرئيس للمدينة الذي هيمن معبودهم (ذو غيبة)، والغرف الخدمية والمنصات التي كانت توضع على بعضها التماثيل الضخمة.
وأردف: وإضافة إلى هذه المكتشفات المعمارية فقد تمكن الفريق الذي تشرفت برئاسته عدة سنوات من الكشف عن نقوش آرامية وديدانية ولحيانية ونبطية وثمودية، ومعثورات معدنية وحجرية وغيرها وقد عكست هذه المكتشفات عن غنى المجتمع اللحياني ودوره الواضح في الجدار الحضاري ليس في شبه الجزيرة العربية وحسب بل في خارجها وتوطدت علاقاتها الاقتصادية مع جميع شعوب المنطقة مثل: ممالك جنوب الجزيرة العربية والمدن الحضارية في شرقها، وكذلك الممالك في سورية الكبرى (الآراميين، والفينيقيين)، والمصريين، وشعوب بلاد الرافدين وغيرهم الكثير.