وصلت "سبق" إلى الحلقة الثانية من حلقات "رمضان كل 100 عام" لتستعرض فيها كيف كانت طقوس رمضان في عام 200 هجرية الموافق 816 ميلادية.
وفي هذا العام احتفل المسلمون بقدوم رمضان، وكان الخليفة حينذاك عبدالله بن هارون الرشيد الملقب بالخليفة "المأمون"، ورغم أنه كان يحكم من خراسان إلا أنه أصدر أوامره لبغداد عاصمة الخلافة قبيل الشهر الكريم وأمر وزراؤه جموع المسلمين في بغداد باستقبال الشهر الفضيل بشكل مختلف عن الأعوام السابقة، فأمر المأمون بإقامة الولائم الباذخة في قصور الخليفة وزاد عليها في الحدائق العامة بما لم يعرف له مثيل، حتى وصلت أنواع الطعام إلى 30 صنفاً وطعاماً في الأسمطة (مائدة الإفطار لعوام المسلمين).
وخلال رمضان لهذا العام أصدر المأمون أمراً ببدء إطلاق منهج علمي لدراسة الفلك، وأنشأ أول المراصد الفلكية التخصصية المقامة ببغداد ودمشق لدراسة اختلاف ظهور الأهلة، وبدء الصوم والحج، وأرسل أول بعثة موسعة لإجراء التجارب العلمية، وكشفت هذه المساعي عن طريقة العلماء العرب في فهم المتون واستيعابها.
وشهد رمضان عام 200 ظهور الأسمطة بكثرة وانتقالها من قصور الخلفاء إلى أماكن العوام، وأصبحت الموائد بكل شوارع بغداد، وكان ينصب اهتمام الخليفة المأمون وغيره من الخلفاء العباسيين بتغذية العقول وخاصة في شهر رمضان، فكان كل سماط يضرب (مائدة إفطار الصائم) يعقبه مجلس علم يناقش فيه قضية علمية وترجمة.
وكان السماط حافلاً بأصناف وألوان من المأكولات والحلوى، ويدعى إليه العلماء والقضاة وأمراء الدولة ومسؤولو الجيوش، ثم تعقد مجالس العلم، وكان يأمر بأن تمد الأسمطة في ميادين وحدائق بغداد، ويذهب متنكراً لمشاهدة هذه الموائد، وتفقد أحوال الرعية الصائمين.
كما ظهرت الكنافة إبان عهد الخليفة المأمون بشكل موسع رغم أن هناك بعض المؤرخين يرجعون ظهور الكنافة إلى عهد معاوية بن أبي سفيان، إلا أن التحقيق التراثي للكثير من المؤرخين أثبت أن حلوى الكنافة عرفت بشكلها المعروف حالياً في عهد العباسيين وتحديداً في عهد المأمون،
كما شهد رمضان عام 200 هجرية إضاءة طريق سوق بغداد، طوله في ذلك الوقت ما يقارب 2كم وأضاؤوه بطريقة مبتكرة، إذ وضعوا نظام زيت الإضاءة على أعمدة المشاعل، وكان ذلك إيذاناً بوضع أول إنارة لطريق عام في التاريخ احتفالاً بقدوم شهر رمضان.
إلى هذا شهد رمضان هذا العام أعظم إنجاز علمي للمسلمين في عهد المأمون، وهو وضع خريطة للعالم، وقد عثر على خرائط تعود للعصر العباسي تبين المسافة من بغداد حتى فلسطين وجورجيا بالقوقاز، جمع المأمون فريقاً من عشرات العلماء لصنع خريطة للعالم صور فيها العالم بأفلاكه ونجومه وبره وبحره وعامره ومساكن الأمم والمدن ووصف لـ530 مدينة وبلدة مهمة وخمسة أبحر و290 نهراً و200 جبل ومقدارها وما فيها من معادن وجواهر.
كما صحح جغرافيو المأمون تمثيل بطليموس التقليدي للمحيط الهندي كبحر محاط باليابسة وأوضحوا لأول مرة أنه كتلة كروية من الماء تحيط بالعالم المسكون، وهو ما فتح الطريق لما يعرف بعصر الاكتشافات الجغرافية بأوروبا.