إسطنبول.. عبقرية المكان و"مدينة المآذن" وأرض الحضارات.. الصورة الكبيرة للسياحة الباذخة في متناول الكل

إسطنبول.. عبقرية المكان و"مدينة المآذن" وأرض الحضارات.. الصورة الكبيرة للسياحة الباذخة في متناول الكل

في التاريخ قال القائد الفرنسي الشهير نابليون بونابرت عنها "لو كان العالم كله دولة واحدة لكانت إسطنبول عاصمتها".

وسواء أكنت مؤرخًا أو فنانًا أو سائحًا، أو أيًّا كان، ومن الصعب إرضاؤك، فإن هناك مدينة تمتلك التاريخ والحضارات وكل التنوع المذهل لتتكفل بذلك.

وسواء أقالوا لك إنها مدينة المآذن، أو مدينة التلال السبع، أو إنها كانت عاصمة إمبراطوريات ضخمة تعاقبت، فإن إسطنبول التركية هي واحدة من أجمل مدن العالم التي تقدم السياحة بمفهوم باذخ وعميق ومتنوع لكل الأطياف.

مدينة الإسلام ودار السعادة

هذه المدينة الأسطورية، التي ارتبط اسمها في الوجدان الإسلامي بالسلطان الفاتح "محمد الفاتح"، حملت الكثير من الأسماء، بداية من اسم "القسطنطينية"، أي مدينة قسطنطين، وذلك بعد أن جعلها قسطنطين الأول العاصمة الشرقية للإمبراطورية الرومانية. كما حملت المدينة اسم (إسلامبول) أي مدينة الإسلام، أو تخت الإسلام، بعد أن انهارت الإمبراطورية البيزنطية، وفتح المسلمون العثمانيون المدينة بقيادة السلطان محمد الثاني الفاتح، ثم جعلها عاصمة للدولة. علمًا بأنها أيضًا عُرفت بأسماء عدة خلال العهد العثماني، مثل "دار السعادة"، أو "الباب العالي"، أو "الدار العالية"، أو "مقام العرش"، أو "الأستانة"، وهي كلمة فارسية تعني "مركز السلطنة" أو "العاصمة".

خيارات مدهشة

في إسطنبول التنوع الذي يناسب كل سائح.. وتٌشعرك –بوصفك مسلمًا تحديدًا- بالعمق الديني لتميُّزها في بناء المساجد التي تتميز بنمط مُعيَّن، تلتزم به كل المساجد، وهو نمط آيا صوفيا.

وتؤكد الروايات، ويسندها الواقع، أن إسطنبول أسست نفسها على مدى القرون كواحدة من أعظم المدن والوجهات، وأكثرها تنوعا في العالم، كما أنها تعد واحدة من أكثر الأماكن النابضة بالحياة والبهجة في أوروبا والعالم خلال فترة الإمبراطوريات في إسطنبول.

وتوفر إسطنبول مجموعة مدهشة من الخيارات السياحية؛ إذ إن موقعها الفريد الواقع بين قارتين جعلها بيئة عالمية متكاملة.

وتُعد إسطنبول محور تركيا وقلبها النابض، وذات قوة استراتيجية مهمة جدًّا.

وكأساسيات، تأتي شبه الجزيرة التاريخية في إسطنبول في غاية الأهمية؛ إذ تضم أبرز معالم إسطنبول التاريخية، مثل مسجدَي السلطان أحمد وآيا صوفيا، وقصر طوب كابي، والسوق المصري، وحديقة غولهانة.

هي منطقة حيوية، وتُعتبر مقصدًا للسياح أيضًا؛ فهي من أهم المناطق التي شهدت أحداثًا مفصلية في التاريخ.

وفي ليلها ونهارها تبقى إسطنبول صانعة ذكريات.. الكثير يحب شتاءها القارس كصيفها الحار نهارًا بهواء منعش، واللطيف والآسر ليلاً كحكايات السهر.

ستجد دومًا أشياء رائعة لتفعلها، وأماكن لتذهب إليها.

بين قارتَيْن

تقع إسطنبول في شمال غرب إقليم مرمرة في تركيا، وهي تُقسَّم إلى قسمين، يفصل بينهما مضيق البوسفور؛ الأمر الذي يجعل المدينة تقع على قارتين في آن واحد. وتشغل حدود المدينة مساحة 1.830.93 كلم2، بينما تشغل منطقة التجمع الحضري أو محافظة إسطنبول مساحة 6.220 كيلومترًا مربعًا.

والتجول في إسطنبول الكبيرة يحتاج لتخطيط جيد؛ كيلا تفوتك أي فرص رائعة؛ فهي تحتوي على 39 منطقة أو مقاطعة منتشرة على طرفَي المدينة، ولكل منطقة أحياؤها وسماتها الخاصة، وأهم المناطق الموجودة في إسطنبول هي منطقة "شيشلي" ومركزها "ساحة تقسيم" و"شارع الاستقلال"، وكذلك مناطق باشاك شهير وأسنيورت وبيليك دوزو وبهجة شهير والفاتح وأكسراي، وغيرها من المناطق الاستراتيجية المهمة.

الوصول لإسطنبول

تكون البداية من الوصول لمطارها الدولي العملاق، أحد أضخم المطارات في المنطقة، ويقع في الجانب الأوروبي من المدينة، و إلى جانبه مطار صبيحة گوكجن الدولي على الجانب الآسيوي. كما تعتبر الملاحة البحرية مهمة في إسطنبول؛ إذ تشكل عبَّارات الركاب أساس التنقل اليومي بين قسمَي المدينة عبر شركة حافلات إسطنبول البحرية. وهناك الطريق الأوروبية E80 المعروفة أيضًا باسم (الطريق الأوروبية السريعة Avrupa Otoyolu)، الذي يربط تركيا بأوروبا، كما أن شبكة الطرقات في إسطنبول متطورة ومنظمة للغاية، وتتوسع باستمرار.

وعلى مستوى السكك الحديدة فإن إسطنبول معروفة عالميًّا بخطها المسمى (قطار الشرق السريع)، الذي يبدأ فيها، وينتهي في باريس، كما تنتشر القاطرات الكهربائية والسكك الحديدية المعلقة وقطارات الأنفاق.

تاريخ عريق

السير في ميدان "تقسيم" وشارع الاستقلال هو واحد من أهم ما يجب أن يقوم به السائح.

عالم من التدفق البشري الحيوي بين جانبين من الأسواق المدهشة المليئة بكل ما يجبرك على التوقف.. غير أن الأهم للسياح طبعًا هو المعالم الدينية المدهشة حتى لغير المسلمين الذي يزورون تلك المعالم، مثل مسجد آيا صوفيا، وقصر طوب كابى، ومركز الإدارة العثماني. ومع هذا التاريخ العريق فهي دائمًا متقدمة في الثقافة والتجارة.

وفازت مدينة إسطنبول بلقب عاصمة الثقافة الأوربية عام 2010م، وهي على الأوقات كافة تُعد موسمًا لا يتوقف للتدفق السياحي، جاذبة للملايين ببنية تحتية قوية، وتنوع كبير، يلبي الأذواق كافة.

مفترق طرق العالم

وعلى جانب آخر، تعود أهميتها بالنسبة للدولة والمنطقة إلى موقعها الاستراتيجي كملتقى دولي للطرق التجارية المهمة. وإضافة لكون إسطنبول مركزًا للأعمال والتجارة فهي أكبر مركز صناعي في تركيا، وتكسب الكثير من مواردها من نهر البوسفور، كما أن الديناميكية الاجتماعية والثقافية والتجارية للمدينة تجعل من الصعب مغادرتها إلى أي مناطق أخرى في تركيا، لكن المغادرة لا تعني ترك شيء في الخلف، بل تعني الانفتاح على عالم جديد متأثر بالإمبراطورية العثمانية، والشرق الأوسط وأوروبا وآسيا الوسطى.

يقولون عن إسطنبول أيضًا إنها "مفترق طرق العالم". ويليق هذا اللقب بالمدينة عابرة القارات في أوروبا وآسيا. كما يفيد تاريخها المحتفى به كمدينة تجمع العديد من الحضارات؛ إذ كانت موطنًا للإغريق، والرومان، والبؤرة الاستيطانية الأخيرة للإمبراطورية البيزنطية، وفخرًا للإمبراطورية التركية العثمانية الإسلامية؛ لذا فهي مدينة متعددة الثقافات، والعرقيات، والديانات، وتحتوي على تاريخ وحضارات متنوعة، تظل منارة للإلهام حتى يومنا هذا.

غربية شرقية

تتميز هذه المدينة بأنها غربية شرقية، حيث تختلط وتمتزج الحداثة والتطور الغربي بالتراث والتقاليد الشرقية؛ وهو ما يضيف سحرًا يجعلك تعشق وتدمن هذه المدينة.

يقول القائد الفرنسي الشهير نابليون بونابرت عنها: "لو كان العالم كله دولة واحدة لكانت إسطنبول عاصمتها".

وتستحق إسطنبول ذلك؛ فهي المدينة الوحيدة بالعالم التي توجَد على قارتين (أوروبا وآسيا). وتعد إسطنبول كبرى المدن في تركيا، وثاني أكبر مدينة في العالم من حيث عدد السكان؛ إذ يسكنها قرابة 15 – 20 مليون نسمة. وتعد إسطنبول مركز تركيا الثقافي والاقتصادي والمالي.

أسماء وتاريخ

"تقسيم" الشهير، أو الميدان الذي يعد هدفًا أوليًّا للسياح، اكتسب اسمه من كونه منطقة تقسيم المياه. أما حي (الفاتح) فقد جاءت تسميته نسبة للسلطان العثماني محمد الثاني، فاتح القسطنطينية، أي إسطنبول، فيما منطقة (أقصراي) جاء اسمها نسبة إلى القادمين من ولاية أقصراي وسط تركيا. أما شارع (بغداد) في الطرف الآسيوي من إسطنبول، الذي يصفه مرشدنا السياحي بأنه (شانزليزيه تركيا)، فأصله طريق موجود منذ أيام البيزنطيين، بحسب المصادر التركية. وفي فترة الحكم العثماني كانت القوافل تنطلق من منطقة (أوسكودار) إلى جهة دمشق وبغداد، وكذلك الجيوش العثمانية، مستخدمة الشارع؛ ومن هنا جاءت تسميته.

الباب العالي

أما منطقة (توب كابي) فكان اسم (الباب العالي) فيها يطلق على الدوائر الحكومية؛ إذ إن كل مكتب حكومي بإسطنبول كان يطلق عليه هذا الاسم المأخوذ من اللغة العربية. وفي الجانب الأوروبي لمضيق البوسفور تقع منطقة (بيبك)، وتعني الرضيع. وهناك روايتان حول تسميتها، الأولى تتعلق بتعيين موظف من قِبل السلطان محمد الفاتح، يحمل اسم بيبك جلبي، أو (بيبك جاويش).

أما (غابة بلغراد) مثلاً فقد استقت اسمها من (قرية بلغراد الجديدة) التي بناها السلطان سليمان القانوني، ووضع فيها (1521) أسيرًا صربيًّا بعد فتح البلاد. في حين أن حي (بشيكطاش)، أحد أشهر أحياء إسطنبول وأرقاها، جاءت تسميته من اسمه القديم "Kone Petro"، وتعني سرير الرضيع الحجري.

قلب إسطنبول

وإذا قادتك الدروب إلى قلب إسطنبول -وستفعل فهي لا تفوت- فسترى منطقة "جراح باشا" التي سميت باسم جامع في المنطقة، يعود تاريخه إلى القرن الـ 16، وأمر ببنائه الصدر الأعظم جراح محمد باشا، فيما منطقة "جيهانغير" الشهيرة وسط المدينة تستمد اسمها من الجامع الذي أمر السلطان سليمان القانوني ببنائه تخليدًا لابنه جيهانغير، على ارتفاع 300 قدم.

وخارج أسوار إسطنبول من جهة الغرب تقع منطقة "باقر كوي" (Bakırköy)، التي كانت مصيفًا في عصر البيزنطيين، وبزمن "كونسطانطينوس" الأكبر بُنيت فيها القصور والكنائس.

وكان اسم هذه المنطقة قبل الفتح العثماني "ماكرو هوري" (Makrohori) ثم حملت اسم "ماكروكوي" (Makriköy) في فترة العثمانيين؛ إذ تم تتريك كلمة "هوري"، التي تعني قرية باليونانية، إلى الترجمة التركية لها، وهي "كوي". وبعد إعلان الجمهورية (1923) تم تتريك الاسم بالكامل؛ ليصبح “باقر كوي”، ويعني قرية النحاس.

وتقول التقارير المتخصصة سياحيًّا إن اختيار اسم "Bakır" ربما فقط لتشابه النطق مع "Makr".

وفيما يتعلق بـ"دولما باهتشه" فكانت مصيفًا خلال العصر البيزنطي. وفي فترة الحكم العثماني أمر السلطان "أحمد الأول" بردم هذا الخليج الصغير، واستكمل في فترة السلطان “عثمان الثاني” قبل أن تتحول عام 1614 إلى حديقة باسمه، ومع مرور الوقت أصبحت تحمل اسم حديقة "دولما باهتشه".

آسيا في إسطنبول

وفي الجانب الآسيوي من إسطنبول تؤكد معلومات المواقع السياحية الموثوقة أن الحي الشهير "قاضي كوي"، وتعني قرية القاضي، هو حي قديم كان مهملاً إلى أن أقام فيه السلطان “خضر بي” قاضي إسطنبول، بعد الفتح العثماني، جاء اسمه من هنا.

وفي منطقة "أون كاباني" (unkapanı)، وهي كلمة تركية مركبة، تعني بالعربية ميزان الدقيق، كانت في فترة الحكم العثماني سوقًا للبيع والشراء، وبعد فتح إسطنبول كانت تأتي البضائع إليها عبر السفن المحملة بطحين القمح، التي كانت توزن بالقبان، وهي كلمة عربية، ومن هنا جاءت التسمية.

وتمتد غرابة الأسماء إلى منطقة “شيشلي” التي كانت تقيم بها عائلة اشتهرت بصنع الأسياخ (شيش تعني سيخ). وأخيرًا منطقة “أمينونو” سميت نظرًا لوجود مسؤولين مكلفين بمراقبة التجار، وكان يطلق عليهم الأمناء (أمناء الجمارك)، وذلك خلال فترة الحكم العثماني.

ثلاثة آلاف عام

من المذهل فعلاً واقع مدينة إسطنبول بشقَّيْها الأوروبي والآسيوي؛ إذ تعتبر أكبر من 131 دولة حول العالم، وأكثر من 18 في المئة من سكان تركيا يعيشون في إسطنبول بغض النظر عن السياح واللاجئين.

وفعليًّا يعود تاريخ المدينة إلى ثلاثة آلاف عام، ويعتقد عيش الناس في العصر الحجري الحديث والعصر النحاسي في جوار كوتشوك جكمجة.

وسبق أن حصدت إسطنبول المركز الأول عالميًّا بعدد المعارض المقامة على أرضها في أوقات متفاوتة، ومؤخرًا استضافت نهائي كأس أبطال أوروبا.

تحدي السياح في إسطنبول

في إسطنبول لن تشعر بالغربة، ولكن ستواجه تحديًا في وضع خارطة تحاول فيها أن تذهب لكل جوانب السحر في إسطنبول، سواء الطبيعية أو التاريخ أو التسوق أو غيرها.

ستشعر برهبة التاريخ والاعتزاز بالحضور الإسلامي أثناء وجودك في آيا صوفيا أو المسجد الأزرق أو غيرها من المواقع. كما لا تنسى أن تشهد متحف بانوراما 1453 الذي يجسد واحدًا من أهم مفاصل التاريخ في تركيا.

أيضًا لا يمكنك تفادي زيارة مواقع مثل: بازار جراند بازار والتوابل، وكاراكوي، وجولة طعام الشارع المذهلة والممرات الخضراء والمطاعم الصغيرة التي تندس في جوانبها بشكل ساحر.

هل تفكر في هدايا مميزة؟

أما أغلب السياح لو سألتهم عن الهدايا التي يبحثون عنها فتأتي الحلويات التركية العريقة أولاً، ثم التذكارات بأنواعها واللفائف التركية والقهوة التركية الشهيرة والشاي التركي.

لا تنسَ أيضًا أن تذهب لمنطقة كاديكوي الشهيرة والآسرة، وكذلك زيارة منطقة الآوت ليت الشهيرة بالماركات وقضاء وقت للتسوق.

زيارة إسطنبول لا تحصرك في وقت معين في السنة.. إنها مرحبة في كل الأوقات للعائلات والأفراد، وكل الأطياف.

وفي إسطنبول يجب عليك ألا تفوت حياة الناس العادية، وتجربة أكل الشارع وتذوق التنوع الكبير، وخصوصًا الأكلات الشهيرة والأصيلة في الموروث التركي.

مجددًا.. إذا كانت الخيارات المذهلة كثيرة فإن المهمة الأصعب أن تقوم بوضع الخطة المناسبة لك؛ لكي تحصل على رحلة سياحية ممتعة عابقة بالذكريات.. ولا تنسَ أن تحتفي ببعض وقتك في بعض المقاهي الخفية في ممرات بين المحال في أغلب المواقع، مثل "تقسيم" وشارع الاستقلال وشارع بغداد والميناء.. واملأ قلبك بنسمات في مقاهي البوسفور الساحرة.

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org