اختلف الكثير من العلماء على بداية تاريخ الوادي العظيم في غرب الجزيرة العربية، وعظمته تأتي من الحضارات والأحداث التي وقعت فيه بجانب الآثار الرائعة التي تحتويها "المابيات" وغيرها من قرى الوادي المجهول، وتقع جنوب مدينة العلا.
يُعتبر الوادي وبلدة "المابيات" طريق الحج الشامي والمصري، ومعبراً لسكة حديد الحجاز لمدة 400 عام في القرون الأولى للإسلام، كما تعتبر العلا وادي القرى وما حولھا مثل الحجر، والخریبة تعتبر من أھم وأقدم المدن في الجزيرة العربية.
تاريخ سحيق
یعود تاريخ الوادي وقراه إلى ما قبل المیلاد بآلاف السنین، وقد مرت فيه حضارات خلّفت بصماتھا الأثرية الرائعة، ووجدت مدینة تعتبر مدینة حدیثة إذا ما قیست بتاریخ الوادي، وھي مدینة المابیات، وتُعرف حالياً باسم "قرح"، وھي بالقرب من مطار العلا الآن، كما أنھا بالقرب من مغیراء التي أصبحت ضمن ضواحي العلا.
مصلى الرسول الأعظم
ذُكر أن رسول الله صلى الله علیه وسلم، صلّى في صعید قرح في مسیره إلى غزوة تبوك؛ أي أنه صلّى في موقع "المابیات" قبل نشوء المدینة. وقد حددت مساحة المابیات بـ640 ألف متر مربع، ویتوسطھا بقایا مسجد قدیم، وما زالت شوارعھا مرصوفة بالحجر. وقد اكتشفت مدینة المابیات عام 1984م؛ حیث ظھرت بقایا مدینة إسلامیة محاطة بسور متعرج وبعض المباني مشیدة بالطوب اللبن، وبُلطت أرضیات بعض الغرف ببلاطات رقیقة من الطوب المحروق؛ مما اعتبره الأثريون مدينة إسلامية كبيرة غنية بمكوناتها الأثرية والحضارية وشوارعها الضيقة التي تفتح عليها دكاكين ومنازل بأبواب خشبية زُينت واجهاتها بنقوش كتابية وأخرى جصية تذكرنا بطراز سامراء الشهير.
العصر الذهبي
تعد القرون من الثالث إلى السادس الهجري فترة العصر الذهبي لوادي القرى والمابيات مع النشاط الزراعي وتوافر العيون المائية والعمال الزراعيين، بعد انتقال الخلافة للشام في العهد الأموي؛ فصار وادي القرى ممراً تجارياً سواء لحجاج الشام أو حجاج مصر.
المقدسي يتحدث
وصف المقدسي البشاري (336- نحو 380هـ) شاهد على تطور وادي القرى، يقول في وصفه: "ناحية قرح: تسمى وادي القرى، وليس بالحجاز اليوم بلد أجلّ وأعمر وآهل وأكثر تجاراً وأموالاً وخيرات بعد مكة من هذا، عليها حصن منيع على قرنته قلعة قد أحدق به القرى، وأكنف به النخيل ذو تمور رخيصة، وأخباز حسنة، ومياه غزيرة، ومنازل أنيقة، وأسواق حارة، عليه خندق وثلاثة أبواب محددة، والجامع في الأزقة في محرابه عظم، قالوا هو الذي قال للنبي صلى الله عليه وسلم لا تأكلني فأنا مسموم، وهو بلد شامي مصري عراقي حجازي؛ غير أن ماءهم ثقيل، وتمرهم وسط، وحمامهم خارج البلد".
موت الوادي
بعد سيطرة الفاطميين على مصر وانحلال الحكومة في بلاد الشام، عمّت الفوضى وعادت القبائل لقطع الطرق، هُجر درب الحج الشامي وهجر درب الحج المصري البري، ولم تعد هناك قوافل تمرّ بوادي القرى؛ لهذا ترك الناس المناطق المكشوفة وغير الآمنة، وماتت مدينة قرح مثلها مثل كثير من المدن التجارية، وماتت الرحبة والسقيا؛ لكن بقيت العلا حية فهي بطبيعتها محصنة وعيونها دائمة، وليست التجارة مصدر دخل أهلها؛ بل التمر والزراعة.
عودة الروح وظهور مغيراء
وفي عهد الدولة السعودية الزاهرة، أعاد التاريخ نفسه؛ فبعد استقرار الحكم السعودي وعودة الأمن والأمان وتشجيع التوطين؛ قام أهل المنطقة بالنزول في بلاد قرح، ونشطت الزراعة والتجارة، وصار هنا بلدة؛ لكن باسم جديد هو "مغيراء"، حين بدأت جامعة الملك سعود عملية تنقيب في المابيات على مدار عدة سنوات، وتبنت مسمى "قرح"، وكان لهذا التنقيب نتائج جيدة في إثبات إسلامية الموقع وضخامة البلدة، وقد نشر التقرير في العدد التاسع من حولية أطلال.