فُرض صيام شهر رمضان في شهر شعبان من السنة الثانية للهجرة بعد تحويل القبلة إلى مكة المكرمة؛ فصام النبي -صلى الله عليه وسلم- تسع رمضانات إجماعًا.
وبعد أن أمر الرسول -صلى الله عليه وسلم- بالسحور تعدَّدت وسائل وأساليب تنبيه المسلمين، وإيقاظهم للسحور، منذ عهد الرسالة إلى الآن. ففي عهد الرسول -صلى الله عليه وسلم- كانوا يعرفون وقت السحور بأذان بلال، ويعرفون المنع بأذان ابن أم مكتوم.
وكان السحور في بداية الإسلام عن طريق أذانين للفجر، أحدهما يقوم به بلال، وهو قبيل الوقت الحقيقي للفجر، والثاني يقوم به عبدالله بن أم مكتوم. وقد بيَّن الرسول -صلى الله عليه وسلم- أن أذان بلال ليس موعدًا للإمساك عن الطعام والشراب لبدء الصيام، وإنما هو أذان للمسلمين لتناول طعام السحور حتى يسمعوا أذان ابن أم مكتوم.
فجاء في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم: "إن بلالاً يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم". وروى أحمد: "لا يمنعن أحدكم أذان بلال من سحوره فإنه يؤذن ليرجع قائمكم وينبه نائمكم". فقد كان أذان بلال بمنزلة الإعلام بتناول السحور في شهر رمضان. وما كان الناس في المدينة يحتاجون إلى أكثر من ذلك للتنبيه للسحور.
ومع اتساع رقعة الدولة الإسلامية، وتعدُّد الأجناس، بدأت تظهر وسائل أخرى للسحور، وبدأ المسلمون يتفننون في وسائله وأساليبه حتى ظهرت وظيفة "المسحراتي" في الدولة الإسلامية في العصر العباسي.
ويُعتبر والي مصر عتبة بن إسحاق أول مَن طاف شوارع القاهرة ليلاً في رمضان لإيقاظ أهلها لتناول طعام السحور عام 238هـ / 853م، وكان يتحمل مشقة السير من مدينة العسكر إلى الفسطاط مناديًا الناس: "عباد الله تسحروا؛ فإن في السحور بركة".
وكان المسحراتي في العصر العباسي يحمل أداة تشبه "الدف" مستخدمًا قطعة من الجلد أو الخشب، ومعه طفل أو طفلة صغيرة، معها شمعة أو مصباح؛ لتنير له طريقه، وكانت النساء تترك له على باب منازلهن قطعة نقود معدنية ملفوفة داخل ورقة، ثم يشعلن أحد أطرافها، ويلقين بها إلى المسحراتي الذي يستدل على مكان وجودها من ضوء النار؛ فيدعو لأصحاب البيت، ويقرأ الفاتحة.
وتوالت التقليعات حسب تطور الزمن، وأصبح المسحراتي في أغلب الدول يلف الآن ومعه أدواته الحديثة، مثل المايكروفون؛ لينادي على الناس. وما زال المسحراتي ينتشر في دول شمال إفريقيا، مثل مصر والمغرب والسودان، وأيضًا الشام والأردن وفلسطين والعراق.