مع مرور الأيام تتزايد احتمالات توجيه إسرائيل ضربة لإيران؛ انتقاماً من الهجوم الصاروخي الذي نفذته طهران بالصواريخ الباليستية قبل نحو أسبوع، والذي تعهد رئيس الوزراء الإسرائيلي بمعاقبتها على ارتكابه.
وفي ظل تزايد احتمالات الهجوم الإسرائيلي الانتقامي يبزر الهدف والمدى الذي يمكن أن تصل إليه الضربة الإسرائيلية، فالحديث يدور حول توجيه ضربات إلى المنشآت النفطية الحيوية، فيما لا يستبعد بعض المراقبين توجيه ضربات إلى المنشآت النووية الإيرانية.. فهل هذا ممكن؟
استهداف المنشآت النووية الإيرانية هدفاً إسرائيلياً قديم، فقبل نحو 16 عاماً وتحديداً في 2008 أجرت إسرائيل مناورات حربية واسعة، ما بدا وقتها إنها مناورات تهدف إلى التدريب على توجيه ضربات عسكرية للمنشآت النووية الإيرانية.
وما زاد الشكوك حول تلك المناورات هو تصريحات المسؤولين الإسرائيليين، فقد حذر ايهود اولمرت رئيس الوزراء الإسرائيلي حينذاك، من أن إجراءات قاسية قد تكون ضرورية لمنع إيران من الحصول على أسلحة نووية، كما قال نائب رئيس الوزراء ووزير الدفاع الأسبق شاؤول موفاز: إنه "يبدو أنه لا مفر من ضربة عسكرية لمنع إيران من تطوير أسلحة نووية."
الهدف الإسرائيلي القديم تبدد مع توصل مجموعة الدول الكبرى إلى اتفاق نووي مع إيران عام 2015، الذي بموجبه توصلت الأطراف إلى تسوية شاملة تضمن الطابع السلمي للبرنامج النووي الإيراني، وإلغاء جميع العقوبات على إيران بشكل تام، ولكن في عام 2018 قرر الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب انسحاب بلاده من الاتفاق، لتجدد النوايا الإسرائيلية بشأن البرنامج النووي الإيراني.
فتح الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي، وإعادة الوضع إلى ما كان قبل 2015، الباب مجدداً لتل أبيب لاستهداف المنشآت النووية الإيرانية؛ لمنع طهران من امتلاك أسلحة الدمار الشامل، ثم جاءت الهجمتين الصاروخيتين على إسرائيل في أبريل الماضي، وقبل أسبوع لتجدد عزم إسرائيل بشكل صارخ على ضرب الأهداف النووية الإيرانية، إذ يرى الكثيرون داخل إسرائيل أن الفرصة أصبحت مواتية لضرب البرنامج النووي الإيراني.
وحث رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق، نفتالي بينيت، بلاده صراحة على مهاجمة المنشآت النووية الإيرانية، واستغلال الفرصة السانحة، بعد أن أصبحت إيران مكشوفة، على حد تعبيره.
وكتب "بينيت" على حساباته في منصات التواصل الاجتماعي: "تتمتع إسرائيل الآن بأعظم فرصة لها منذ خمسين عاماً، لتغيير وجه الشرق الأوسط ويتعين علينا أن نتحرك الآن لتدمير البرنامج النووي الإيراني، ومرافق الطاقة المركزية، وشل هذا النظام الإرهابي بشكل قاتل". وأضاف: "لدينا المبرر ولدينا الأدوات. والآن بعد أن أصبح حزب الله وحماس مشلولين، أصبحت إيران مكشوفة".
وعلى الرغم من النوايا الإسرائيلية الواضحة التي صرح بها مسؤولين سابقين، إلا أن الرئيس الأمريكي جو بايدن حذر الإسرائيليين علانية من ضرب المواقع النووية أو مواقع الطاقة، قائلاً إن أي رد يجب أن يكون "متناسباً" مع الهجوم الإيراني على إسرائيل الأسبوع الماضي، معترفاً في الأساس بأن بعض الضربات المضادة مناسبة.
وهو الأمر نفسه الذي أكد عليه وزير الدفاع الأمريكي لويد جيه أوستن، حينما أوضح لنظيره الإسرائيلي يوآف جالانت، بأن الولايات المتحدة تريد من إسرائيل تجنب الخطوات الانتقامية التي من شأنها أن تؤدي إلى تصعيد جديد من قبل الإيرانيين.
في الوقت نفسه، قال مسؤول أمريكي لشبكة "سي إن إن" إنه لا توجد ضمانات على أن إسرائيل لن تستهدف منشآت إيران النووية، كما حث أن حثّ الرئيس الأمريكي السابق، والمرشح الرئاسي الحالي دونالد ترامب إسرائيل على ضرب المنشآت النووية في إيران.
حالة عدم الوضوح بشأن الأهداف المزمع استهدافها داخل إيران قد يبددها حقيقة حاجة إسرائيل إلى قنابل ضخمة خارقة للتحصينات، وقاذفات بي 2 القادرة على حمل تلك الذخائر؛ وذلك لإيقاع الضرر بالمنشآت النووية الإيرانية شديدة التحصين التي بنت طهران بعضها في عمق الجبال، وتحت الأرض، فضلاً عن إحاطتها بغابة هائلة من بطاريات الدفاع الجوي. كما تفتقر تل أبيب إلى الطائرات الحديثة اللازمة للتزود بالوقود جواً، إذ تقع إيران على بعد آلاف الأميال من إسرائيل.
وتجاهلت واشنطن على مدار العقود القليلة الماضية الطلبات الإسرائيلية اللحوحة للتزود بالذخائر والقاذفات اللازمة لتخريب البرنامج النووي الإيراني، وبحسب تقرير لصحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، فقد تجاهل الرئيس الأسبق جورج بوش الطلبات الإسرائيلية لحيازة هذه النوعية من الأسلحة، وحث على مواصلة الدبلوماسية والتخريب والعقوبات، وليس القنابل، لإفساد البرنامج النووي الإيراني.
ويدور الحديث حالياً وسط المراقبين حول ما مدى الضرر الذي يمكن أن تحدثه الضربات الإسرائيلية للبرنامج النووي الإيراني؟.. لا سيما وأن مثل هذه الضربة المزعومة قد تدفع الإيرانيين إلى تسريع وتيرة برنامجهم النووي للحصول على القنبلة النووية سريعاً، فتكون تبعاتها أخطر وأقسى.
وستكون تل أبيب إذا قررت متابعة رغبتها في ضرب الأهداف النووية الإيرانية في حاجة إلى تعاون أو مشاركة أمريكية فعلية في قصف تلك المنشآت النووية، الأمر الذي قدر ينذر بانزلاق المنطقة إلى حرب إقليمية واسعة.