رغم إعلان وزارة الدفاع الروسية، أمس الجمعة، إتمام سحب قواتها من الضفة الغربية لنهر دنيبرو، بعدما أكدت أنها اتخذت "قرارًا صعبًا" بالانسحاب في ظل تقدم القوات الأوكرانية؛ أعلن الكرملين أن مقاطعة خيرسون بأكملها وعاصمتها تشكلان جزءًا من روسيا.
أشار الخبراء إلى أن الانسحاب من خيرسون هو أكبر من مجرد خطوة تكتيكية بالمعنى العسكري، وأنه ينطوي على رسائل وأبعاد سياسية واضحة، فيما يشير آخرون إلى أن الانسحاب هو دليل آخر على أن السلاح النوعي الغربي المقدم لأوكرانيا هاهو يقلب المعادلات الميدانية، وأن الروس انسحبوا تحت ضغط التقدم الأوكراني العسكري.
ولا يستبعد خبراء عسكريون من جانبهم أن يندرج الانسحاب في إطار إعادة الانتشار والإعداد لهجوم مضاد، ونصب فخ للقوات الأوكرانية بغية استدراجها ومحاصرتها، في مدينة كانت من أولى المدن الاستراتيجية التي سقطت بيد الروس في بداية الحرب.
يقول الباحث والخبير في الشؤون الروسية بسام البني، في حديث مع "سكاي نيوز عربية": إن الانسحاب من خيرسون لم يكن مفاجئًا بالنسبة للروس، بسبب التحذيرات الجدية من أن سد كاخوفكا في حال تفجيره من قبل كييف، فإن القوات الروسية على الضفة اليمنى لنهر دنيبرو ستكون محاصرة تمامًا، ولهذا تم اتخاذ هذا القرار الصعب.
وأضاف: "الواضح أن القائد الجديد للقوات الروسية في أوكرانيا يريد البدء من الصفر بحيث يجهز خطًّا دفاعيًّا بهندسة عسكرية متينة على الضفة اليسرى للنهر، قاطعًا الطريق أمام القوات الأوكرانية لمهاجمة مناطق أخرى، والتي في حال محاولتها التقدم نحو الضفة اليسرى، فإنها ستكون تحت مرمى نيران القوات الروسية بشكل مباشر".
وتابع: "هكذا كان بقاء الروس في الضفة اليمنى مخاطرة كبيرة ومجازفة بأرواحهم ومعداتهم العسكرية، لكن مع هذا الانسحاب فالجيش الأوكراني سيتقدم بداهة نحو المنطقة التي أخلاها الجيش الروسي، وهكذا يكون الأوكرانيون في موقع ضعيف ومكشوف عسكريًّا، وليس العكس، ويصبحون عرضة سهلة للصواريخ والمدافع الروسية حال نيتهم التقدم أكثر".
وأردف: "تسعى القيادة العسكرية الروسية لإنشاء نظام قيادة ميداني جديد عبر وضع ضباط ذوي خبرة في المناصب والمواقع الرئيسية، وذلك بهدف تعزيز الخطوط الخلفية والدفاعية، وتأمين طرق الإمداد اللوجستي والعسكري للقوات في مواجهتها للقوات الأوكرانية.
وبيّن أن "الانسحاب التكتيكي العسكري محاط بمخاطر سياسية كبرى، فإن نجح الجيش الروسي في السيطرة قريبًا على مدن وبلدات جديدة على جبهات القتال مع أوكرانيا، فإن الرأي العام قد يعتبر الانسحاب المؤقت من خيرسون مبررًا، وكجزء من الاستراتيجية العسكرية، وفي حال عدم تحقق ذلك، فقد يتسبب هذا في قلب المزاج الشعبي الروسي الداعم للعملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، والمطالب بتحقيق إنجازات ومكاسب ميدانية، وبالتالي تراجع الحاضنة المجتمعية لتلك العملية، وتراجع التأييد لها".
واستطرد: "الكرملين يعطي التعليمات العامة فيما يتعلق بالعمليات العسكرية في أوكرانيا، لكن يحق لقائد العملية هناك تحديد التحركات العسكرية والأهداف في الميدان، بعد الرجوع لوزير الدفاع، وهو ما حصل مع طلب قائد العملية الجنرال سيرغي سوروفيكين، الإذن من الوزير سيرغي شويغو، بتنفيذ الانسحاب من الضفة اليمنى لنهر دنيبرو، والوزير طبعًا هو على اتصال مستمر مع الرئيس بوتين، وهذا يعني أن ثمة تنسيقًا كاملًا بين الكرملين والقيادة العسكرية".
من جهته يقول أستاذ العلاقات الدولية بالجامعة الأمريكية في القاهرة رائد العزاوي، في لقاء مع "سكاي نيوز عربية": إنه "يبدو أن موسكو عبر هذا الانسحاب تعمل على تخفيف حدة الأزمة الأوكرانية، ولا سيما ميدانيًّا، بعد ما سببته من تداعيات خطيرة عليها وعلى العالم ككل، وهو تطور إيجابي ربما يشكل علامة على وجود ما يشبه تفاهمات سرية وترتيبات للبدء بالمفاوضات، وتقديم التنازلات المتبادلة لإنهاء الحرب".
وأضاف: "تراجع وتيرة العمليات العسكرية للقوات الروسية عامة في مناطق تماسها واشتباكها مع القوات الأوكرانية في جنوب وشرق البلاد؛ مؤشر على أن الانسحاب بهذا المعنى هو ذو دوافع سياسية بالدرجة الأولى، ورسالة حسن نية غير معلنة من قبل الروس، في سياق توفر قناعة لدى مختلف أطراف النزاع بعد شهور دموية عاصفة، أن لا حل عسكريًّا للأزمة، وأنه لا بديل من الركون لمنطق الحوار والدبلوماسية".