سواقي الدم والمطر تدور.. "غزة بين نار المحتل وهول الهطولات".. قصص تُدمي القلوب

"سيمفونية فزع" مزجت ماء السماء المنهمر بالصواريخ.. "جحيم القصف وصقيع الشتاء"
الأمطار في غزة تفاقم معاناة النازحين
الأمطار في غزة تفاقم معاناة النازحين
تم النشر في

تسقط الأمطار على أهالي غزة في العراء كملح على جراحهم المفتوحة، فالأمطار التي يرفع الناس أكفهم فرحًا بقدومها، يختلف وضعها تمامًا في غزة اليوم، فهذه الأمطار تجلد الغزيين في العراء، الذين لا يملكون للتستر منها سوى أكوام من الأوجاع والمآسي والمرارات وما تبقى فيهم من صبر؛ فهطول الأمطار على الغزيين في العراء ليس إلا غيضا من فيض مصابهم الكبير، ولن يزيد تلك العذابات إلا وجعًا وقهرًا، تمامًا كالعود الذي ينبش في جرح نازف، فلا هو بمعالجه ولا هو بتاركه ليندمل بمفرده.

وقال مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية: إن الأمطار الغزيرة فاقمت الأوضاع الصعبة للنازحين في كثير من المناطق بقطاع غزة في ظل استمرار الغارات الإسرائيلية على مناطق متفرقة من القطاع؛ حيث يعيش هؤلاء المدنيون اليوم بين ألسنة النقمة الملتهبة وبرد الشتاء القارس.

جحيم القصف وصقيع الشتاء

اليوم تمطر سماء غزة صواريخ وقذائف فتحرق وتدمر وتطمر وتميت وتدمي، وتدر غيومها أيضًا فيضًا من الأمطار، قد يتراءى للمشاهد من بعيد أنها قد تطفئ شيئًا من لهيب الوضع وحرقة القلوب؛ لكن المشهد مختلف تمامًا لمن يقبع تحت سماء غزة ويستقبل بجسد عار غزارة عطاء غيومها، فالأمطار التي هي في الحقيقة علامة للخصب والخير لا يستقبلها أهل غزة بنفس تحمس باقي الناس؛ لأنهم ببساطة يقبعون في العراء تجلدهم الأمطار وتصفر الرياح الباردة في خيامهم الممزقة الوهنة وتزيد من إحساسهم بالألم.

فتحت خيمة عتيقة، ترتجف طفلة فلسطينية يخترق البرد عظامها الرقيقة، يعزف الريح والمطر سيمفونية محزنة من حولها.

تغلق الطفلة عينيها وتتكور على نفسها وكأنها تبحث في ثنايا جسدها الصغير الضعيف عن بقعة دفء تائهة تستمد منها معنى الحياة، وتحاول طرد البرد من حولها، فتأتي أصوات الغارات على تخومها فجأة، فتدرك أن عليها أن تفر من التفكير في القصف إلى محاربة البرد، محاولة تجاهل أصوات الغارات المخيفة بذلك؛ لتتدلى بذلك هذه الطفلة على مصلبة الظلم والصمت في مشهد يدمي القلوب.

وليس ببعيد عن الطفلة، يقف رجل ليحمي طفله بكيس بلاستيكي من رياح شديدة، يلفه ويصارع الريح لينجح في ذلك، يحاول الحفاظ على ابنه وعلى الكيس أيضًا، فربما احتاج هذا الكيس ليوم آخر، لأن سماء غزة تمطر نارًا وماء، وعلى أرضها تسيل سواقي الدم والمطر جنبًا إلى جنب.

عداد تساقط الأمطار في غزة سريع للغاية، وسرعته تثقل كواهل الضعفاء هناك بالنفخ أكثر في بالون الأزمة الإنسانية؛ حيث تفاقمت الظروف الصعبة للنازحين وتجددت المخاوف حيال تفشي الأمراض، وتدفق الأمطار التي تغمر الشوارع وخيام النازحين الهشة كبيوت العنكبوت.

وحسب بعض التقارير؛ فإن نحو مليون و900 ألف شخص اضطروا للنزوح في قطاع غزة، ورغم توجه نصفهم إلى رفح في الجنوب بحثًا عن مأوى، فإن هذه المنطقة لم تَسلم من الغارات والاجتياحات البرية، وهؤلاء في جو الشتاء القارس يعانون البرد وانعدام مرافق التدفئة وكثرة الأمطار التي غمرت ما تيسر من خيامهم وأهلكت فتات أغطية ومفارش جمعوها من تحت أنقاض بيوتهم.

على مشارف الهاوية

الملاجئ التابعة للأونروا باتت تعيش حالة من الاختناق بسبب العدد المهول من النازحين الذين لجأوا إليها؛ حيث ساهمت الأعداد الفلكية للمدنيين هناك والتي تجاوزت القدرة الاستيعابية لهذه المراكز بكثير، في جعل الأونروا تطلق التحذيرات الجادة حيال صعوبة إدارة الصرف الصحي في مراكز الإيواء المكتظة تلك؛ حيث ساهمت الفيضانات في تراكم النفايات، وهو عوامل تسببت في انتشار الحشرات والفئران، ويمثل أرضية خصبة لانتشار الأمراض والأوبئة.

وهنا تتحدث سيدة بوجه واجم عن مأساة النازحين في هذا البرد الشتوي القارس قائلة: "مياه الأمطار تسللت لكل مكان وقد جعلت السقف يهوي علينا ليلًا ونحن نعاني من عدم وجود أكل وماء للشرب، وأغلب الموجودين هنا صغارًا أو كبارًا يعانون من مشاكل معوية.. فالوضع صعب للغاية".

مآسٍ بالجملة جعلت شركاء الأمم المتحدة في مجال العمل الإنساني يدعون لتوفير مواد البناء لإصلاح خطوط المياه المتضررة، محذرين من أن عدم إجراء هذه الإصلاحات قد يؤدي إلى كارثة حقيقية عنوانها الأكبر انقطاع المياه على مناطق في جنوب قطاع غزة، كما طالب هؤلاء الشركاء المجتمع الدولي بالتحرك سريعًا لمساعدة المتضررين في ظل هذه الأوضاع الإنسانية الصعبة في شتاء، تنذر بوادره أنه سيكون جامحًا في غزة إلى أبعد الحدود.

وضع السكان مأساوي

من جهته، وصف الناطق باسم الهلال الأحمر الفلسطيني أحمد جبريل، في حديثه لـ"سكاي نيوز عربية" الوضع الذي يعيشه سكان قطاع غزة بـ"المأساوي"؛ خاصة مع هطول الأمطار وافتقارهم لأماكن تأويهم في هذا البرد القارس.

ويضيف: "لم تفلح كل المناشدات الدولية لإيقاف العدوان على سكان غزة والحد من معاناتهم، ولا مكان لسكان غزة يلجأون إليه غير المستشفيات ومراكز الإيواء وافتراش الشوارع".

وأضاف: احتمال تعرض المعبر على الحدود لهجوم من سكان غزة في حال استمرار عمليات التضييق من جانب الجيش الإسرائيلي؛ مشيرًا إلى مواجهة الطواقم الطبية وفِرَق المساعدات الإنسانية لصعوبات أثناء أداء مهامها.

وتابع: عجزت كمية المساعدات الإنسانية عن تلبية احتياجات السكان والنازحين، خاصة مع تدهور الأوضاع الجوية مع انتشار العدوى والأوبئة أمام انهيار القطاع الصحي من شأنه أن يعمق الأزمة.

وأردف: الاكتظاظ في الملاجئ بمعدل يتجاوز الطاقة الاستيعابية لها؛ يمكن أن يؤدي إلى خلق بيئة مواتية لانتشار الأوبئة مما يستدعي دق ناقوس الخطر، وهناك إمكانية سحب المنظمات الدولية لطواقمها حفاظًا على سلامتهم.

واختتم: "نظرًا لعدم وجود مكان آمن في غزة؛ قررت بعض العائلات عدم مغادرة منازلها؛ حيث تحتاج غزة إلى فترة طويلة ومساعدات كثيرة لإعادة الحياة إليها".

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org