احتدم الصراع في لبنان بين عشية وضحاها؛ فقد أخذت المناوشات بين إسرائيل وحزب الله منحى جديدًا وخطيرًا بعد أن وسعت تل أبيب من هجماتها وقصفها الثقيل على جنوب لبنان؛ ما ينذر بدخول بلاد الأرز نفقًا مظلمًا في ظل نزوح جماعي للسكان بالآلاف من الضاحية الجنوبية إلى نحو بيروت والحدود اللبنانية السورية.
لا شك أن الصراع بين إسرائيل وحزب الله ليس جديدًا؛ فهو يعود لسنوات طويلة مضت، وتجدد منذ بداية عملية "طوفان الأقصى" في السابع من أكتوبر الماضي، إلا أنه ظل مناوشات بين الطرفين إلى أخذ منعطفًا حادًّا منذ بداية يوم الاثنين؛ إذ أعلن الجيش الإسرائيلي شن غارات منذ صباح أمس على نحو 1300 هدف لحزب الله في جنوب لبنان والبقاع.
وقال الجيش في بيان إنه أطلق صباح الاثنين هجومًا جويًّا واسعًا على أهداف لحزب الله، وإن عشرات من طائراته الحربية شنت غارات على نحو 1300 هدف لحزب الله في جنوب لبنان والبقاع خلال موجات عدة من القصف.
وتعرضت مناطق واسعة من لبنان للغارات الإسرائيلية، من بينها العاصمة بيروت، وعشرات القرى في الجنوب، والبقاع، والنبطية، وبعلبك الهرمل، كما استهدفت بلدات ميس الجبل وعيترون وحولا، والطيبة، ومركبا، وبني حيان، وجبل الريحان، ومرتفعات إقليم التفاح، وبنت جبيل، وحانين، وزوطر، ومنطقة النبطية جنوبي لبنان.
كما استهدفت الغارات محيط مناطق الشعرا، وحربتا، والهرمل، ومحيط بلدات شمسطار، وطاريا، وبوداي شرقي لبنان. وطال القصف شرق البلاد مستهدفًا بلدة الخضر بمنطقة بعلبك، ومحيط بلدة النبي شيت.
وأدت الهجمات الإسرائيلية إلى مقتل ما لا يقل عن 500 شخص، بينهم نساء وأطفال، فيما بلغ عدد الجرحى نحو ألفَي جريح، وفقًا لوزارة الصحة اللبنانية.
ووفقًا للرواية الإسرائيلية، فقد استهدف القصف الإسرائيلي مواقع أسلحة تابعة لـ"حزب الله"؛ إذ زعمت تل أبيب أن الحزب يخزن صواريخ ومنصات إطلاق داخل منازل مدنية؛ ما يُعرّض السكان للخطر، بينما قال وزير الصحة اللبناني، فراس الأبيض، إن الغارات استهدفت مستشفيات، ومراكز طبية، وسيارات إسعاف.
وفي المقابل، رد حزب الله بإطلاقه عشرات الصواريخ من جنوب لبنان باتجاه مواقع إسرائيلية في الجليل الأعلى؛ إذ نقلت قناة "القاهرة الإخبارية" عن مصادرها إطلاق الحزب عددًا من الرشقات الصاروخية باتجاه الجليل الأعلى، ردًّا على الهجمات الإسرائيلية الشرسة.
وجاء العدوان الإسرائيلي كحلقة جديدة في التصعيد بين الطرفين بعد أن استهدفت صواريخ حزب الله أمس الأول الأحد مجمعات الصناعات العسكرية لشركة رفائيل المتخصصة في الوسائل والتجهيزات الإلكترونية، الواقعة في منطقة زوفولون شمال مدينة حيفا، بعشرات الصواريخ من نوع فادي 1 وفادي 2 والكاتيوشا. كذلك أعلن الحزب أنه استهدف قاعدة ومطار "رامات ديفيد" للمرة الثانية بعشرات الصواريخ، التي أتت بدورها في أعقاب تفجيرات "البيجر" في سلسلة من الاشتباكات التي لا تنتهي بين الطرفين.
وسكبت إسرائيل المزيد من الزيت على النار فيما يخص تطور الأحداث في لبنان؛ إذ قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في تصريحات إن الجيش الإسرائيلي يعمل على "تغيير ميزان القوى في الشمال" من خلال إزالة صواريخ حزب الله.
وأضاف نتنياهو في بيان مصور من غرفة قيادة تحت الأرض لسلاح الجو الإسرائيلي في تل أبيب: "بالنسبة لأولئك الذين لم يفهموا بعد، أريد توضيح سياسة إسرائيل. نحن لا ننتظر التهديد، نحن نتوقعه. في كل مكان، في كل مسرح، في أي وقت". وقال إن إسرائيل على أعتاب "أيام معقدة". والذي فهمه بعض المراقبين أنه تهديد بإمكانية أن تجتاح إسرائيل لبنان بريًّا، وهو ما دعا واشنطن إلى القول إن "الولايات المتحدة لا تعتقد أن الغزو البري للبنان سيسهم في تقليل التوتر بالمنطقة".
وفي الوقت نفسه، أكد وزير الدفاع الإسرائيلي، يؤاف جالانت، أن الغارات على لبنان ستتكثف وتتواصل خلال الأيام المقبلة، في إشارة إلى تصاعد وتيرة الصراع، وربما امتداده.
وفي ظل الصراع الذي لا يمكن التنبؤ بمآلاته، شهدت مدن الجنوب اللبناني زحامًا خانقًا في ظل نزوح جماعي بالآلاف لسكان المناطق الجنوبية؛ للفرار بأرواحهم من عواقب الصراع الوخيمة.
ووثقت عدد من الصور والمقاطع المرئية زحامًا شديدًا في شوارع صيدا، وغيرها من مدن الجنوب على الطرق التي تصلهم بالعاصمة بيروت؛ وذلك بعد تلقيهم رسائل بضرورة المغادرة.
وتلقَّى الآلاف من السكان اللبنانيين رسائل تحذيرية على جوالاتهم، ولاسيما سكان الجنوب، بضرورة مغادرة منازلهم إلى أماكن آمنة. كما تلقى السكان رسائل بضرورة مغادرة الأماكن التي يوجَد بها عناصر حزب الله، أو مخازن أسلحة للحزب.