"ممرات الموت والذل"، بهذه الكلمات وصفت الصحفية سلمى القدومي وهي من النازحات من مستشفى القدس التابع لجمعية الهلال الأحمر الفلسطيني، معاناة النزوح عبر طريق صلاح الدين الذي يربط بين محافظات جنوب قطاع غزة وشماله، مفندة ما يروّج له الاحتلال بأنه "ممر إنساني".
وتقول "القدومي": صباح الثاني عشر من الشهر الجاري، خرجنا مع عدد من المصابين والنازحين قسرًا من شمال غزة نتيجة القصف الإسرائيلي على المستشفى، باتجاه الجنوب عبر طريق صلاح الدين، وفي نقطة يحددها الاحتلال كانت المركبات محظورة، يسمح فقط بالذهاب سيرًا على الأقدام.
وأضافت: لم يكن أمام عشرات العائلات النازحة خيار سوى الامتثال لأوامر الاحتلال؛ حيث حمل البعض أطفاله وما يلزم من ملابسهم، أمام فوهات الدبابات التي تحيطنا من كل جانب إلى ما بعد وادي غزة، وتستغرق المسافة التي تُقَدر بنحو 14 كيلومترًا، سيرًا على الأقدام أكثر من 10 ساعات، وتتفاوت حسب الوجهة التي يذهب إليها، وأيضًا حسب ظروف الطريق، فالسير مع كبار سن والأطفال يستغرق وقتًا أطول من السير برفقة الشباب.
وتضيف: على الحاجز احتجزت أكثر من ساعة ونصف الساعة، وتم التحرش بالنازحين من الفتيات والنساء، وسرق ذهب إحداهن، كما أجبر بعض النازحين على خلع ملابسهم بالكامل في البرد، وأمامنا جميعًا.
وكانت القدومي تقطن أحد الأبراج السكنية في مدينة غزة، واضطرت بعد استهداف منزلهم بالكامل، إلى النزوح 7 مرات مع أفراد عائلتها المكونة من 10 أشخاص داخل المدينة، ليتوجهوا بعدها إلى مستشفى القدس، أملًا منهم في النجاة، لاعتباره الأكثر أمنًا.
وعن نزوحها لمستشفى القدس تقول: في المستشفى كنا إلى جانب نحو 15 ألف نازح لأيام، نعيش ظروفًا إنسانية صعبة، في ظل شح المواد الغذائية وعدم وجود مياه الشرب، وتفاقم الوضع بعد تلقي المستشفى أكثر من تحذير بالقصف، عشنا خلالها خوفًا ورعبًا، وكنا نلجأ لطمأنة بعضنا، رغم يقيننا بأن الاحتلال قادر على قصف المستشفى وقتلنا جميعًا، كما استهدف المستشفى المعمداني سابقًا.
وتضيف: بعد حصار المستشفى لـ20 يومًا، وقطع الاتصال والماء والكهرباء عنه بشكل كامل، واستهداف المستشفى القدس ومحيطه السبت الماضي، أطلقت خلالها نداء استغاثة على مواقع التواصل الاجتماعي، وتواصلت مع الصليب الأحمر، الذي أكد لنا استحالة الخروج الآن، وطلبوا منا الانتظار حتى يتم تنسيق خروجنا.
فيما يقول أحد شهود العيان، والنازح في آخر فوج غادر مستشفى القدس بغزة: "الأحد الماضي تم استهداف محيط المستشفى بشكل جنوني، واستهدف الطابق السادس الذي يتواجد فيه النازحون، واستشهد أحدهم؛ فيما أصيب 28 آخرون، وبعد ساعات فوجئنا بتقدم للآليات العسكرية، تزامنًا مع القصف الكثيف أمام المستشفى، وحاول البعض التواصل مع الصليب الأحمر لتنسيق الخروج؛ الأمر الذي تَعذر بسبب الحصار والقصف وقطع الاتصالات، وخدمات الإنترنت".
ويضيف: "في صباح اليوم التالي، أخبرونا أن الصليب الأحمر قد نسق لنا ممرًا آمنًا للخروج باتجاه الجنوب، وبالفعل خرجنا رافعين الرايات البيضاء، وعلى بُعد نحو 50 مترًا من المستشفى، قام الاحتلال باستهدافنا بشكل مباشر بالرصاص الحي، فعدنا أدراجنا إلى المستشفى.. وفي وقت لاحق أخبرونا بأنه جرى تنسيق خروجنا بالتوجه هذه المرة من خلف أبراج تل الهوى، إلى شارع دولة، ثم إلى شارع صلاح الدين، سيرًا على الأقدام، وكان برفقتنا مصابون، وكبار السن، والأطفال.
ويتابع: قطعنا مسافة ساعتين، ثم بدأت القناصة باستهداف النازحين، وبعد أن تَمَكنا من الوصول إلى شارع صلاح الدين، وتحديدًا في محيط الدبابات المتمركزة على جوانب الطرق، عشنا أقصى مراحل الذل؛ إذ بدأت الدبابات والآليات العسكرية بنثر التراب علينا، وطلبوا منا رفع هوياتنا، ومن ثم بدأوا بمناداة البعض منا، وطلبوا من عدد من الشباب خلع جميع ملابسهم بالكامل أمامنا، كما طلبوا مني وبعض النازحين النزول في حفرة، وجرى التحقيق معنا من جنود الاحتلال، وتم فصلي عن أهلي، وجرى التحقيق أيضًا مع الأطباء وموظفي الهلال الأحمر، كما اعتقلوا الطبيب علاء مقداس، وكانوا ينادون علينا بمكبرات الصوت، ويستدعون بعضًا منا للتقدم فوق الكثبان الرملية، وشاهدناهم يطلقون النار على شاب لم نعرف مصيره حتى الآن، كما أجبروا ستة شبان على أن يركعوا لعلَم دولة الاحتلال تحت تهديد السلاح.
وقد خرج مستشفى القدس في مدينة غزة عن الخدمة وتوقف عن العمل بشكل كامل، الأحد الماضي، بسبب نفاد الوقود، وانقطاع التيار الكهربائي، عدا عن محاصرته من قِبَل الدبابات العسكرية، وتعرضه لإطلاق نار كثيف جدًّا، وقصف مدفعي، وإصابة عدد من النازحين والجرحى داخله".
وقد أعلنت وزارة الصحة يوم أمس، أن 26 مستشفى من أصل 35 قد توقفت تمامًا وخرجت عن الخدمة في قطاع غزة، وباتت غير قادرة على تقديم خدماتها للجرحى؛ إما بسبب استهدافها بشكل مباشر، أو بسبب نفاد الوقود، وانقطاع التيار الكهربائي عنها، 9 منها تحوي 1200 سرير تعمل بشكل جزئي، وتقدم الخدمات الأساسية.