
شنت القوات الروسية هجوماً جوياً مدمراً على منشأة لتوليد الطاقة الحرارية في العاصمة الأوكرانية كييف، مما أدى إلى انقطاعات واسعة في الكهرباء والغاز، وفقاً لتقارير وزارة الطاقة الأوكرانية، بعد يوم واحد من أكبر هجوم جوي روسي منذ بدء الغزو الشامل في 2022، رغم تصريحات موسكو العلنية بقبول المفاوضات والتهدئة، والهدف الواضح، كما يرى مراقبون، هو تعزيز الضغط على كييف لفرض شروط روسية قاسية، مما يعيق أي تقدم نحو حل سياسي مستدام ويؤجج الصراع المستمر منذ ثلاث سنوات ونصف.
وأفادت وزارة الطاقة الأوكرانية بأن الضربات الروسية استهدفت عمداً البنية التحتية الحيوية، بهدف إلحاق معاناة إضافية بالمدنيين، وفي بيان على تطبيق "تيليغرام"، وصفت الوزارة الهجوم بأنه محاولة لترك المنازل والمستشفيات والمدارس دون كهرباء أو تدفئة، مما يعكس استراتيجية ممنهجة لإضعاف الروح المعنوية الأوكرانية، وفي الوقت نفسه، أعلنت وزارة الدفاع الروسية مسؤوليتها عن الضربات، مشيرة إلى أنها جزء من حملة مستمرة ضد "البنية التحتية العسكرية"، رغم أن المنشآت المستهدفة مدنية في الأساس، وفقاً لـ"رويترز".
وشهدت المناطق المحيطة بكييف انقطاعات فورية للكهرباء، حيث ذكرت شركة "أوكرنرغو"، المشغلة لشبكة الكهرباء الوطنية، أن الهجمات أثرت على عدة مناطق. وبفضل جهود الإصلاح السريعة، تم استعادة الطاقة لمعظم المستهلكين بحلول صباح اليوم التالي، لكن الأضرار التراكمية تثير مخاوف من شتاء قاسٍ قادم. كما أدى الهجوم إلى تلف شبكة الغاز المحلية، مما يهدد بفصل أكثر من 8000 عقار في ثماني مستوطنات عن الإمدادات لمدة يومين على الأقل، وفقاً لتصريحات حاكم المنطقة ميكولا كالاشنيك.
ويندرج هذا التصعيد في سياق الهجمات الروسية على قطاع الطاقة الأوكراني، الذي بدأ مع الغزو الشامل في 2022 وأدى إلى انقطاعات كبيرة في السنوات الماضية، ورغم ذلك، يبرز التناقض الواضح بين التصريحات الدبلوماسية الروسية، التي تتحدث عن استعداد للمفاوضات، والأفعال العسكرية التي تكثف الضغط، ويرى محللون أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يسعى من خلال هذه الضربات إلى تعزيز موقفه التفاوضي، مستغلاً الشتاء القادم لإجبار أوكرانيا على تنازلات إقليمية، مثل الاعتراف بالمناطق المحتلة.
في تعليق على منصة إكس، أعرب سيرجي كوفالينكو، الرئيس التنفيذي لشركة "ياسنو"، عن قلقه البالغ، مشيراً إلى أن الهجمات المتكررة على المنشآت الطاقية خلال الأسابيع الأخيرة لا تبشر بخير للخريف المقبل، وهذا النهج الروسي، الذي يجمع بين العنف العسكري والدعاية الدبلوماسية، يعكس استراتيجية طويلة الأمد تهدف إلى إنهاك الخصم اقتصادياً واجتماعياً، مما يقلل من فرص نجاح أي مبادرات سلامية دولية.
ومع استمرار روسيا في تصعيدها، يتساءل مراقبون عن مدى تأثير ذلك على الدعم الغربي لأوكرانيا، خاصة مع اقتراب الانتخابات الأمريكية، فالضربات المتكررة قد تدفع حلفاء كييف إلى تعزيز المساعدات العسكرية، لكنها قد تثني آخرين عن الاستمرار في الدعم المالي الطويل الأمد، وفي الوقت نفسه، تكشف هذه الهجمات عن هشاشة البنية التحتية الأوكرانية، التي تحتاج إلى إعادة بناء جذرية لمواجهة التهديدات المستمرة.
ويظل السؤال المركزي: هل سيؤدي هذا التصعيد إلى دفع الأطراف نحو طاولة المفاوضات، أم أنه سيطيل أمد الصراع ويدمر أي أمل في حل سياسي قريب؟