مع ترقّب عودة النشاط السياسي في فرنسا بزخم كبير، وقبل أيام من بدء الرئيس إيمانويل ماكرون سلسلة مشاورات مع رؤساء الكتل البرلمانية وقادة الأحزاب لتشكيل حكومة جديدة، برز انقسام جديد ضمن تحالف أحزاب اليسار، محوره هذه المرّة دعوة للإطاحة بالرئيس ماكرون برلمانياً، بالاستناد إلى المادّة 68 من الدستور التي تسمح بذلك إذا توفّرت غالبية برلمانية.
وفي التفاصيل، صدرت الدعوة عن حزب "فرنسا العصيّة" من أقصى اليسار، على خلفية رفض ماكرون تسمية لوسي كاستيه رئيسةً للوزراء رغم توافق كل أحزاب تحالف اليسار (الجبهة الشعبية الجديدة) على هذه التسمية منذ الشهر الماضي، ورغم تصدُّر هذا التحالف لنتائج الانتخابات التشريعية الشهر الماضي.
وجاء الردّ على دعوة حزب جان لوك ميلانشون، "فرنسا العصيّة"، للإطاحة بالرئيس من اليسار نفسه قبل أن يردّ عليها التحالف الرئاسي وأعضاء في الحكومة المستقيلة، إذ أعلن أوليفيي فور السكرتير الأول للحزب الاشتراكي أن ما صدر عن حزب "فرنسا العصيّة" يُلزِمه وحده وأن الردّ على رفض ماكرون تعيين مرشحة اليسار رئيسةً للوزراء يكون بفرض رقابة (برلمانية) على الرئيس، مشيراً من جهة أخرى إلى أن الإطاحة بماكرون لا يمكن تحقيقها لأنها تتطلّب، وفق نصّ الدستور، تأمين غالبية برلمانية من ثلُثَي عدد أعضاء كلّ من مجلس الشيوخ والجمعية الوطنية (أي مجلس النواب).
ورأت أصوات اشتراكية أخرى أن ما يدعو إليه حزب ميلانشون لا سند له قانونياً ولا سياسياً.
أما في صفوف حكومة تصريف الأعمال فقد اعتبر وزير الداخلية جيرالد دارمانان، أبرز أقطاب الجناح اليميني ضمن التحالف الرئاسي، أن رغبة "فرنسا العصيّة" في الإطاحة بالرئيس "في جهلٍ تامّ لمؤسساتنا يعكس الفوضى التي يريد الحزب إغراق فرنسا بها"، مضيفاً أن "الجبهة الشعبية الجديدة، (أي تحالف أحزاب اليسار)، تُظهِر مرّة أخرى عدم قدرتها على حكم بلدنا"، ودعا دارمانان قوى اليسار إلى الابتعاد عن "فرنسا العصيّة" التي لا تريد، برأيه، سوى الفوضى.
بدوره قال وزير العدل في الحكومة المستقيلة إريك دوبون موريتي إن حزب "فرنسا العصيّة" يشدّ اليسار نحو التطرف، واصفاً دعوة الحزب إلى الإطاحة بالرئيس بـ"الغريبة"، وفقاً للعربية نت.
ويستعدّ رؤساء الكتل البرلمانية وقادة الأحزاب الفرنسية إلى سلسلة مشاورات حول تشكيل الحكومة دعا ماكرون إلى إجرائها بدءاً من يوم الجمعة المقبل، وقال إنه سيسمّي رئيس الوزراء الجديد على أساس نتائج هذه المشاورات، مشيراً إلى أنه مستعدّ في هذا السياق لاستقبال لوسي كاستيه التي رشحتها أحزاب اليسار لمنصب رئاسة الوزراء، من دون أن يتعهد بتسميتها، وهو ما سيُبقي باب الجدل السياسي مفتوحاً على مصراعيه.
يذكر أن تحالف اليسار حصل خلال الانتخابات التشريعية، التي جرت دورتها الثانية في السابع من الشهر الماضي، على غالبية نسبية وليست مطلقة في الجمعية الوطنية، فهو حصد 193 مقعداً من أصل 577 مقعداً يتشكّل منها مجلس النواب، فتصدَّر بذلك النتائج وحلّ بعده التحالف الرئاسي، فيما حلّ حزب "التجمع الوطني" من أقصى اليمين في المرتبة الثالثة.
ولأن أيّاً من هذه الكتل الكبرى لم ينجح في الحصول على الغالبية المطلقة التي تتطلب 289 مقعداً، فإن الرئيس ماكرون لا يعتبر نفسه ملزَماً بتكليف شخصية من اليسار الذي تصدّر النتائج من دون أن يصل إلى عتبة الغالبية المطلقة.