نظَّم مركز الملك عبدالله بن عبدالعزيز العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات ومنظمة التعاون الإسلامي، بالشراكة مع المركز الإندونيسي للحوار والتعاون بين الحضارات "CDCC" وشبكة جوسدوريان، ورشة عمل إقليمية بعنوان "معًا من أجل التنوع وتعزيز الحوار بين أتباع الأديان" بمشاركة 65 مشاركًا ومشاركة من القيادات والمؤسسات الدينية وصانعي السياسات من خمس دول مختلفة وممثلي مؤسسات رابطة دول جنوب شرق آسيا "الآسيان".
جاء ذلك في إطار الجهود المبذولة لتعزيز التفاهم والتعاون بين المجتمعات الدينية المتنوعة في جنوب وجنوب شرق آسيا، وذلك خلال اليومين الماضيين بالعاصمة الإندونيسية جاكرتا.
وتهدف الورشة إلى تحقيق جُملة من الأهداف؛ منها: توفير منبر للحوار والتواصل بين أتباع الأديان والثقافات في جنوب وجنوب شرق آسيا، وتعزيز التعاون بين القيادات والمؤسسات الدينية من خلفيات دينية متنوعة في مجالات العيش المشترك، وقبول التعددية وترسيخ قيم المواطنة المشتركة، ومساندة صانعي السياسات على المستوى الإقليمي.
وألقى الأمين العام لمركز الحوار العالمي فيصل بن معمر، كلمة جلسة الافتتاح، أكّد خلالها على قضية تنامي ظاهرة التطرّف والكراهية، سواء كان ذلك على أسس دينية أم عرقية، وشكّلت تحديًا كبيرًا لمفهوم الوحدة والعيش المشترك، وخطرًا كبيرًا على السلام والأمن.
وأشار إلى مشاعر الرعب والفزع التي تنتاب الجميع عندما يستحضرون الأحداث المأساوية التي ضربت سريلانكا وراح ضحيتها 259 شخصًا بريئًا، والأحداث التي استهدفت المسلمين في نيوزلندا واليهود في أميركا، وغيرها من العمليات الإرهابية التي استهدفت مجموعات دينية وعرقية.
وقال: كثيرًا ما يُنحى باللائمة على الدين المتسبب في أعمال العنف التي تؤثر على عالمنا، وخاصة عندما يقوم بهذه الجرائم أشخاص اتخذوا الدين مطية، ومارسوا القتل والتنكيل بالنفس البشرية باسم الدين، والدين منهم براء، فأعطوا بذلك صورة مشوهة عن الأديان التي جاءت لسعادة البشرية، في حين أن هناك خمسة مليارات شخص في العالم لديهم انتماء ديني؛ ما يجعل الدين جزءًا عظيمًا من هويتنا الجماعية، التي عندما نشعر بأن جزءًا منها يتعرَّض للهجوم فإن تفاعلنا يجب أن يكون مكافحًا ورافضًا للتطرف والكراهية، وباحثًا عن أسباب ذلك للاتحاد في مناهضة كل ما يهدد تماسك المجتمعات وعيشها المشترك.
وشدّد "ابن معمر" على قناعة المشتغلين بالحوار بين أتباع الاديان والثقافات أن الحل الصحيح لا يكون في إلقاء اللوم على الدين أو إزالته من المعادلة.
ولفت إلى ما قاله الأسقف اللوثري منيب يونان ذات مرة: "إن القيادات الدينية غير قادرة على صنع السلام بمفردها، لكن عملية صنع السلام لن تكون ممكنة بمعزل عن جهودهم".
وأضاف "ابن معمر": إذا كنا نريد مكافحة آثار الفكر المتطرف، الذي أصبح اتجاهًا مثيرًا للقلق ليس فقط في جنوب وجنوب شرق آسيا، ولكن في جميع أنحاء العالم؛ يجب التركيز على ضرورة تعزيز المشترك الإنساني بين جميع أتباع العقائد المختلفة، وأساليب الحياة والتقاليد الدينية المختلفة، من خلال التأكيد على المبادئ الإنسانية المشتركة التي يتقاسمها أتباع الأديان والثقافات، وتفعيل دور الأفراد والقيادات والمؤسسات الدينية والاجتماعية لمساندة صانعي السياسات لترسيخ الأمن والسلام.
واستعرض الأمين العام لمركز الحوار العالمي، جهود المركز العالمي للحوار الذي تم تأسيسه بمبادرة من المملكة بمشاركة النمسا وإسبانيا والفاتيكان لتعزيز استخدام الحوار لمعالجة مجموعة واسعة من التحديات، التي تواجه الأسرة البشرية بأكملها.
وكشف أن السبب الذي يجعل مركزنا فريدًا من نوعه؛ كونه المنظمة الدولية الوحيدة التي يقود برامجها ومبادراتها صانعو السياسات والقيادات الدينية؛ لإيجاد حلول جماعية وتنفيذها؛ بهدف تعزيز التماسك الاجتماعي في أكثر من "50" دولة حول العالم.
وقال: لطالما كانت بلدان جنوب وجنوب شرق آسيا محط اهتمام ومحور تركيز أعمال المركز، وعلى رأسها ميانمار؛ حيث يدعم المركز، منذ عام 2016، جهود القيادات والمنظمات الدينية في ترسيخ التسامح والسلام.
وأشار إلى أن مركز الحوار العالمي قد دعم إنشاء "مبادرة ميانمار للسلام"، التي تسهم فيها المجموعات الدينية المتنوعة وصانعو السياسات؛ باعتبارها واحدة من أكثر برامج الحوار بين أتباع الأديان شمولية وفعالية.
وأكّد "ابن معمر" على تنامي قناعات خبراء المركز من خلال تجربته الطويلة في ميانمار، بأهمية توسيع نطاق أعماله لمكافحة التطرّف والكراهية في مجتمعات منطقة جنوب شرق آسيا.
وشدّد الأمين العام لمركز الحوار العالمي على أن التحديات المتعلقة بمكافحة خطاب الكراهية، وتوعية الأجيال الشابة وتثقيفها بشأن كيفية استخدام أدوات الحوار وتعزيز الثقافة الحقيقية للوقاية؛ باتت تتسع اتساعًا كبيرًا على مستوى العالم، وتتطلب استجابات سريعة على مستويات متعددة.
على صعيد متصل كان دولة نائب رئيس جمهورية إندونيسيا الشيخ الدكتور معروف أمين، قد استقبل يوم الثلاثاء في العاصمة الإندونيسية جاكرتا، الأمين العام لمركز الملك عبدالله بن عبدالعزيز العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات، فيصل بن معمر.
وعبر نائب رئيس الجمهورية الإندونيسية، عن تقديره وامتنانه لدور مركز الحوار العالمي في تعزيز قيم الوسطية والتسامح، وبناء السلام والتعايش من خلال برامج ومبادرات الحوار بين أتباع الأديان والثقافات.
ودعا إلى ضرورة العمل معًا لتعزيز العيش المشترك، ومكافحة التطرّف والكراهية التي تحدث في العالم من خلال الحوار، مثمنًا بشكل خاص دعم المملكة للحوار بين أتباع الأديان والثقافات بالشراكة مع الفاتيكان وإسبانيا والنمسا، وحرص المؤسسات في إندونيسيا على إقامة شراكات ومبادرات مشتركة مع المركز.
وأكد دعم بلاده لإقامة ورشة العمل الثانية "معًا من أجل التنوع وتعزيز الحوار بين أتباع الأديان"، التي ينظمها مركز الحوار العالمي ومنظمة التعاون الإسلامي "OIC"، بالتعاون مع الشركاء المحليين.