حالة من الإنكار ومحاولات التلميع ومسح آثار الهزيمة، عاش فيها أتباع الرئيس التركي أردوغان من مطاياه ومريديه العرب، بعد أن خضع السلطان للإرادة الدولية، وفرضت عليه واشنطن الانسحاب من الشمال السوري بعد مكابرة وعناد غير مسبوق، حيث أعلن نائب الرئيس الأميركي، مايك بنس، الخميس، التوصل إلى اتفاق بين أمريكا وتركيا على انسحاب أنقرة من شمال سوريا.
وعلى الرغم من معاندة الرئيس التركي وإصراره على عدم التفاوض مع الأكراد في سوريا، قائلاً إن الخيار الوحيد أمامهم هو إلقاء أسلحتهم، إلا أنه عاد وأقر بالتفاوض السلمي، ووقف إطلاق النار، تحت وطأة العقوبات الأمريكية، وأمام سيل من الإهانات التي وجهها له الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في خطاب، مستخدماً تعبيرات مهينة غير مسبوقة مثل "الأحمق" و"الشيطان" لم تعرف لها الأعراف الدبلوماسية والسياسية مثيلاً من قبل.
سيل من التغريدات
وبدأت سيل التغريدات التي يبدو أنها أتت بتعليمات واضحة بمسح آثار هزيمة "السلطان"، وعكسها وكأنها انتصار عظيم، بتغريدة رئيس الوزراء القطري السابق حمد بن جاسم بن جبر كبيرهم الذي علمهم السحر، والذي حاول كعادته التقليل من المواقف العربية، وتعظيم شأن أوليائه في إسطنبول، وقيادة حملة التلميع، فكتب: "ها قد اتفقت تركيا وأمريكا بخصوص الشريط الحدودي، ويتضح من ذلك للأسف الشديد ضحالة التقديرات العربية والبيان الصادر من الجامعة التي لم يعد لها مصداقية لا في الشارع العربي ولا العالمي ولا حتى من المجتمعين أنفسهم، والسبب انها لم تعالج قضاياها الأساسية في العالم العربي ولست بصدد تعدادها".
ثم توالت تغريدات أصنام "السلطان" في حملتهم المقدسة للتلميع بعد الإهانات الأمريكية المتتالية التي حملها خطاب "ترامب"، وغضوا عنها الطرف، وكأنها لم تكن، فكتب الإعلامي في شبكة "الجزيرة" أحمد منصور: "أكبر انتصار حققته تركيا اليوم من وراء اتفاقها مع الولايات المتحدة ليس انسحاب الأكراد للمسافة التي تريدها تركيا، ولكن الانتصار الأكبر هو أن كل دول العالم أصبحت تهاب تركيا كقوة عالمية نجحت في فرض شروطها على أمريكا القوة العظمى الأولى في العالم".
تناقض صارخ واعتراف
فيما اعتبر مدير عام الجزيرة السابق، ياسر أبو هلالة خضوع "أردوغان" مكسباً استراتيجياً، كعادته وعادة قناته في قلب الحقائق والمفاهيم، وإيهام المتلقين بعكس الحقيقة، فقال: "حققت تركيا مكسباً استراتيجياً في علاقتها مع أميركا، ومنعت قيام كيان كردي في جوارها. للأسف، بشار الأسد كسب في الأثناء ومن خلفه إيران وروسيا. والخاسر دائماً هو شعب سوريا والثورة اليتيمة، تحول العظيم إلى مساحات نفوذ وساحة مباحة للقوى الإقليمية والدولية". الغريب أنه أشار في الشق الثاني للتغريدة إلى أن عدوان "أردوغان" على سوريا آتى بنتائج عكسية لصالح كيانات أخرى، ليس الشعب السوري واحداً منهم، في تناقض صارخ للشق الأول من التغريدة، وهو اعتراف خرج منه عفوياً بشكل غير مقصود، ويثبت حماقة العدوان الذي لم يكن من ورائه سوى مصالح تركيا الضيقة، وليس لصالح سوريا وشعبها كما حاول الإعلام التركي وتوابعه في قطر إيهام المتلقين العرب.
وعلى الرغم من استعداد الأكراد للتفاوض الجدي مع تركيا بحسب ما أشارت إليه رسالة "ترامب" الشهيرة قبل العدوان، والتي سربها الإعلام الأمريكي أمس، إلا أن أردوغان أصر على عداونه، ثم تراجع وخضع للتفاوض السلمي بعد "لا تكن أحمق".. "سأدمر اقتصاد تركيا".