في اعترافٍ نادر يظهر تخوف النظام الإيراني من الفشل في سوريا، نشرت صحيفة "كيهان" الإيرانية المقرّبة من المرشد الإيراني، تقريراً تحدثت فيه عن بوادر خسارة كل شيء في سوريا، وكشفت عن أن عدد قتلى القوات الإيرانية في سوريا أكثر من 2000 قتيل بخلاف آلاف الجرحى، وتابعت أن هؤلاء لقوا حتفهم علی مدار أكثر من سبع سنوات من وجود إيران في الأزمة السورية.
ورأت الصحيفة أن رغم ضخامة التضحيات إلا أن كابوس تجربة البوسنة الثقافية الفاشلة يتكرر في سوريا، وقالت الصحيفة: "التجربة الفاشلة للتعاون الثقافي في البوسنة تتكرّر، إنه بالنظر إلی التعاون الواسع بين إيران وسوريا في محور المقاومة والحاجة إلى تعزيز التعاون الثقافي والاجتماعي مع سوريا، وبالنظر إلی التجربة الفاشلة للتعاون الثقافي في البوسنة؛ هناك قلق من أن أعداء المقاومة هذه المرة سيظهرون في زي الأصدقاء حتى يتمكنوا من الحصول على ما خسروه في ساحة المعركة من خلال الأنشطة الثقافية في أوقات السلام.
2400 قتيل
ووفقاً لأرقام شبه رسمية، فإن ألفين و400 عسكري إيراني على الأقل لقوا حتفهم في سوريا منذ بداية الثورة في البلاد عام 2011، بخلاف مئات الضحايا الذين سقطوا من جرّاء القصف الإسرائيلي على قواعد الميليشيات الإيرانية في سوريا، حيث ذكر مسؤول عسكري في الجيش الإسرائيلي في تصريحات سابقة، أن قواته الجوية شنّت ضربات على أكثر من 200 هدف إيراني في أراضي سوريا خلال الأشهر الـ 18 الماضية.
ونقلت وسائل إعلام إسرائيلية عن مسؤول قوله في تصريح صحفي، إن العسكريين الإسرائيليين ضربوا 202 هدف وأطلقوا 800 صاروخ وقذيفة، في إطار عملهم المكثّف على استهداف قوافل الأسلحة والمواقع الإيرانية في سوريا.
ونفّذت إسرائيل في وقت سابق من العام الجاري سلسلة واسعة من الغارات الجوية على المواقع العسكرية داخل سوريا، قالت إنها موجّهة ضد تمركز القوات الإيرانية في البلاد أو رداً على تصرفات "عدوانية" من قِبل الجيش السوري.
3 أضعاف الميزانية الدفاعية!
وفيما يتعلق بالخسائر المادية، فالحديث هنا عن عشرات المليارات من الدولارات ولعله الرقم الأكثر دقة هو التقدير الذي كشفت عنه المتحدثة باسم المبعوث الدولي إلى سوريا ستيفان دي مستورا؛ جيسي شاهين؛ حيث قالت إن تقدير الأمم المتحدة هو أن متوسط إنفاق إيران في سوريا يعادل 6 مليارات دولار سنوياً، وعلى سبيل المقارنة هذا يعني أن إيران ساعدت النظام السوري بما يعادل نصف ميزانية دعم الأسعار في الداخل سنوياً، وإذا كانت إيران قد أنفقت هذا الرقم بشكل منتظم خلال الأعوام السبعة من الحرب السورية فهذا يعني أنها دفعت 36 مليار دولار، وهذا يعادل ثلاثة أضعاف الميزانية الدفاعية السنوية لإيران.
15 مليار دولار في عامين!
ومن بين التقديرات الأخری لكلفة الدور الإيراني في سوريا ما نشره الباحث في الشأن السوري الدكتور نديم شحادة؛ الذي قدّر ما تحمّلته إيران خلال عامَي 2012 و2013 بما بين 14 إلى 15 مليار دولار بعد أن فقدت حكومة بشار الأسد جميع إيراداتها.
وقال "شحادة"؛ لـ "بي بي سي" الفارسية: إن تقديره مبني على الأدلة التي تؤكّد دخول عديد من المجموعات الممولة من قِبل الحرس الثوري الإيراني من بينها مجموعات من العراق وأفغانستان، ويرى التقرير أن تقدير إنفاق إيران في سنوات ما بعد 2013 صعب جداً؛ لكن تقدير "شحادة" قريب من الرقم الذي أعلنته الأمم المتحدة وهو 6 مليارات دولار سنوياً.
وفيما يتعلق بسوريا، قال غابي إيزنكوت؛ رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، تزامناً مع احتجاجات الايرانيين في شهر يناير 2018 الغاضبة من الإنفاق الإيراني على سوريا ، إن طهران أنفقت منذ عام 2012 المليارات في سوريا، وأضاف: "في الوقت الراهن هناك ألفا عنصر من القوات الإيرانية وعشرة آلاف من جنسيات أخرى وثمانية آلاف من قوات حزب الله اللبناني في سوريا".
الراتب الشهري!
وفيما يتعلق بتكاليف القوات التي أرسلتها إيران لسوريا، فقد نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" تقريراً لها نقلاً عن أحد الأفغان الذين أرسلتهم إيران إلى سوريا وقاتل هناك تحت راية لواء "فاطميون" الأفغاني، إن الراتب الشهري للشخص الواحد في هذا اللواء يبلغ 800 دولار شهرياً.
وتؤكّد مصادر أخری هذا المبلغ الى حد بعيد، وإذا فرضنا أن تعداد هذه القوات -وفق التقديرات الإسرائيلية- يبلغ عشرة آلاف عنصر فإن الكلفة السنوية لرواتبهم فقط قد تصل إلى 100 مليون دولار.
وكانت صحيفة "فورين بوليسي" الأميركية قد كشفت في يونيو، عن ارتفاع الخسائر الإيرانية في سوريا منذ اندلاع الصراع في مارس 2011، وتحت عنوان "إيران تريد البقاء في سوريا للأبد"، قالت الصحيفة إن أكثر من 2000 عسكري إيراني قُتلوا في سوريا منذ أن بدأت طهران بضخ قوات وموارد هائلة للدفاع عن نظام بشار الأسد.
وذكرت نقلاً عن منصور فارهنج؛ الدبلوماسي الإيراني السابق والباحث الحالي المقيم في الولايات المتحدة، أن حجم إنفاق إيران في سوريا بلغ 30 مليار دولار كمساعدات عسكرية واقتصادية للنظام، بينما أشارت تقديرات أخرى، إلى أن الإنفاق بلغ 105 مليارات دولار بمعدل 15 ملياراً سنوياً.
الصفر والخسائر
وأشارت مصادر عسكرية للصحيفة، إلى أن إيران تتعرّض لضغوط روسية لنقل قواتها وميليشياتها الموجودة في الجنوب السوري إلى دير الزور غرب نهر الفرات، ويشير ارتفاع خسائر إيران البشرية والمادية، إلى انخراط إيراني مكلف بالنسبة لطهران التي تواجه أزمة اقتصادية بفعل العقوبات الأميركية، وتحرك واشنطن لقطع الشريان المالي الحيوي، بدفع مستوردي النفط الإيراني إلى الصفر.
الميليشيات والطعام!
ويتوقع خبراء أن تدفع الضغوط الأميركية، إيران إلى مراجعة دعمها لميليشياتها في المنطقة وللنظام السوري تحت وطأة الأزمة المالية، وهو ما حدث بالفعل حيث أعلنت مصادر سورية مقرّبة من النظام أن إيران لم تعد قادرةً على إرسال الطعام إلى ميليشياتها في سوريا في الوقت الحالي، وهو ما يرجّح حالة تمرد بين ميلشياتها التي تقاتل في سوريا.
فشل كالبوسنة!
وكانت تقارير سابقة قد تحدثت عن المؤسسات المالية والفكرية التي زرعتها إيران في سوريا التي وصلت إلى 14؛ أهمها مؤسسة الجهاد الإسلامية الإيرانية، والمؤسسة الخيرية الإسلامية التي موّلت ونظّمت إعادة إعمار جنوب بيروت بعد حرب 2006 وعملت على افتتاح مشاريع كبرى وإعادة بناء المدارس وشق الطرق وتشييد البنى التحتية.
وبحسب التقارير الإيرانية فإن هذه المؤسسات نفسها حالياً تتولى تقديم الدعم لأسر الميليشيات السورية المدعومة إيرانيا لكنها ليست بالفاعلية التي كانت عليها في لبنان، حيث اعترفت صحيفة "كيهان" بأن هناك بوادر فشل للبرامج الثقافية الإيرانية في سوريا تقريباً مثلما حدث لهذه البرامج في البوسنة.