يستمد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو نهجه من مجموعة من الأفكار، عززتها بعض الكتب العسكرية، مثل كتاب المؤرخ جون ديفيد لويس "ليس أقل من النصر.. الحروب الحاسمة ودروس التاريخ"، الذي شوهد وهو يحمله في قاعة الكنيست عام 2016. وبالرغم من مرور تسعة أشهر على حرب غزة لا يزال "نتنياهو" يتمسك بأهدافه المعلنة، وعلى رأسها "النصر المطلق"، وإنهاء حكم حركة "حماس"، كما ردد في خطاب خلال حفل تخريج وحدات عسكرية جديدة في الجيش بالنقب الخميس الماضي.
ففي كلمته خلال الحفل قال "نتنياهو": "سنُخضع حماس ونهزمها، ولدينا مفتاح النصر. وحاليًا نعمل في رفح والشجاعية ومحور فيلادلفيا، وفي كل مكان خرج منه منفذو هجمات 7 أكتوبر". لكن كثيرًا من المحللين يرون أن نهج "نتنياهو" يصطدم بالواقع في قطاع غزة، ومعزول عنه، وأن تصريحاته للاستهلاك الإعلامي وإرضاء الجناح اليميني المتطرف في ائتلافه الحكومي، ويجمعون على أن المستوى العسكري الإسرائيلي يدرك جيدًا أن القضاء على "حماس" هدف غير واقعي.
ولم يفلح نتنياهو حتى اللحظة في بلورة خطة واضحة لليوم التالي للحرب في ظل رفضه عودة السلطة الفلسطينية للقطاع، وحول ذلك يقول الكاتب والمحلل السياسي راسم عبيدات لوكالة أنباء العالم العربي: "المشاريع متعددة فيما يتعلق باليوم التالي، لكن ما يحسم هذه القضية هي قضية الميدان، وحتى هذه اللحظة لم يتم تحقيق أي انتصار إسرائيلي أو صورة انتصار، ولا إنجاز عسكري ولا صورة إنجاز، والمؤسسة العسكرية والأمنية باتت تشعر بأنها عاجزة عن الاستمرار بالحرب بالطريقة السابقة، ومن ثم سيعودون إلى الانسحاب من المناطق المأهولة بالسكان، وإعادة التموضع في مجموعة من المناطق الاستراتيجية، مثل مفترق نتساريم ومحور فيلادلفيا والخط الواقع شرق قطاع غزة، الموازي لمستوطنات الغلاف؛ بهدف تنفيذ عمليات مركزة، تشمل اغتيالات بحق قادة المقاومة".
وعقب هجوم السابع من أكتوبر الماضي شبَّه "نتنياهو" خلال لقاء مع شبكة الإذاعة الأمريكية الوطنية قطاع غزة باليابان بعد استسلامها للحلفاء في الحرب العالمية الثانية، وقال: "إن أي حكومة مستقبلية في القطاع يجب أن تلتزم بمحاربة الإرهاب، وليس تمويله"، لكن "نتنياهو" لم يقدم أي أطروحات لليوم التالي للحرب بل ظل يؤكد مواصلة الحرب حتى تحقيق "النصر المطلق"، في وقت لا تزال فيه كتائب القسام والجماعات الفلسطينية المسلحة الأخرى تناور القوات الإسرائيلية بأساليب حرب العصابات، وتبث بشكل شبه يومي تسجيلات مصورة لعملياتها العسكرية، التي تستهدف مدرعات الجيش الإسرائيلي وجنوده في القطاع.
وتحاول الولايات المتحدة بدورها وضع خطط لإنهاء الحرب، تضمن عدم عودة "حماس" للحكم. ونقلت صحيفة "واشنطن بوست" عن مسؤول أمريكي أن "حماس" أبلغت الوسطاء باستعدادها التخلي عن السلطة لترتيبات الحكم المؤقت.
ويرى المحلل السياسي الفلسطيني طلال أبو ركبة أن هناك توافقًا أمريكيًّا مع الرؤية الإسرائيلية على الرغم من اختلافات وتباين الرؤى فيما يتعلق باليوم التالي، ويقول: "الرؤية الأمريكية تقوم على اعتماد السلطة الوطنية، أو ما أطلقت عليه السلطة المتجددة، لكن بنيامين نتنياهو لا يريد توحيد الأراضي الفلسطينية؛ فإسرائيل لم تخض هذه الحرب، ولم تضحِّ بسمعتها الدولية مع ارتكابها العديد من مجازر الإبادة، وتجاوز القانون الدولي والإنساني من أجل توحيد الأراضي الفلسطينية تحت وضعية قانونية واحدة".
ويشير "أبو ركبة" إلى أن إسرائيل تريد إيجاد منطقة فقيرة خدماتيًّا، يتم تجفيفها وإعادة هندستها ديموغرافيا وسكانيًّا وجغرافيًّا وخدماتيًّا؛ لتحاول من خلال بعض العناصر إدارة الناس المتبقين الذين يكون عددهم من 100 إلى 200 ألف؛ وبالتالي يمكن السيطرة عليهم، وإيجاد نماذج حكم لهم، كما تريد إنهاء حكم "حماس"، وعدم السماح بوجود السلطة، وتريد خلق نماذج جديدة، يسهل السيطرة عليها والتحكم بها، وبعد خلق هذه النماذج يتم توسيعها لاحقًا باتجاه الجنوب، لكن إسرائيل لا تجد تعاونًا من العائلات ولا من المؤسسات الفلسطينية لبلورة تصوراتها على أرض الواقع؛ ومن ثم فإنها تواجه عقبة.