لا يزال الصوت العراقي الحر يزمجر في معظم المدن الكبرى في العراق؛ للمطالبة بمحاسبة الفاسدين وإبعاد الأذرع الإيرانية التي تنهش في الجسد العراقي منذ سقوط "صدام حسين".
هذه الاحتجاجات التي هزت السلطات العراقية؛ أسفرت -منذ انطلاق التظاهرات- عن مقتل 319 شخصًا وإصابة 12 الفًا؛ حسب حصيلة رسمية أُعلنت صباح أمس، والتي زادت وتيرتها مع وصول السفاح الإيراني قاسم سليماني واتفاقه مع القيادات الموالية لإيران؛ وفقًا لوكالة الأنباء الفرنسية، بإبقاء النظام العراقي الحالي وتفريق المتظاهرين بالقوة والسلاح.
صحيفة "الإندبندنت" البريطانية، نشرت مقالًا تحليليًّا للكاتب المختص بأمور الشرق الأوسط "باتريك كوبيرن" بعنوان "كيف تسيطر المليشيات المدعومة إيرانيًّا على العراق: طهران لديها دومًا خطة"، قال فيه: إن المليشيات المدعومة من إيران تطلق الرصاص على المحتجين العراقيين لمحاولة إبعادهم عن قلب العاصمة بغداد، وإنهاء الاحتجاجات المستمرة منذ ستة أسابيع، وتشكل تحديًا غير مسبوق للنظام السياسي القائم في البلاد منذ انتهاء حقبة نظام صدام حسين في العام 2003.
ويعتبر "كوبيرن"، أن قاسم سليماني قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني ومنظر السياسة الإقليمية لإيران -على حد وصفه- هو من يقود جهود التصدي للمظاهرات هذه المرة عبر الاستخدام المفرط والممنهج للقوة.
السفاح الإيراني "قاسم سليماني" الذي عاث فسادً في العواصم العربية، يعتقد على نطاق واسع أنه أبرز القادة العسكريين الإيرانيين المفضلين لدى المرشد علي خامنئي، وهو أحد الجنرالات الثلاثة عشر الكبار في المؤسسة العسكرية بإيران، وهي أعلى رتبة عسكرية في الجيش الإيراني، ويملك قاسم سليماني الميزة المضافة التي تتمثل في قيادة قواته العسكرية الخاصة، والمعروفة إعلاميًّا باسم "فيلق القدس"، الذي لا يتلقى أوامره إلا من "خامنئي" شخصيًّا، وبالإضافة إلى ذلك، عندما يتعلق الأمر بميزانية "فيلق القدس"؛ يحصل قاسم سليماني على ما يشبه "شيكًا على بياض".
ووفقًا للرئيس الإيراني الأسبق محمد خاتمي، يدير قاسم سليماني وزارة خاصة للخارجية؛ حيث يجري تعيين المبعوثين الخاصين للجمهورية الإسلامية في العراق، وسوريا، ولبنان، والأردن، واليمن، وأفغانستان، وحتى وقت قريب، كان قاسم سليماني يصف الاستثمارات في مشروع بناء الإمبراطورية الإيرانية الخاصة بأنها مكللة بكل نجاح، وقال آية الله علي يونس، واصفًا الأمر: "اليوم، وبفضل الجنرال سليماني، صارت لنا السيطرة الخالصة على أربع عواصم عربية: بيروت، ودمشق، وبغداد، وصنعاء".
ويرى الكاتب أمير طاهري، أن الحالة العراقية تختلف عن بقية العواصم؛ حيث يشترك العراق مع إيران في أطول شريط حدودي يبلغ طوله نحو 1599 كيلومترًا، وهي الحقيقة التي تشكل الشواغل الأمنية الكبرى لدى البلدين، كما أن العراق هو موطن ثالث أكبر الطوائف الشيعية على مستوى العالم بعد إيران والهند؛ فضلًا عن أن القبائل الإيرانية العربية كافة، المتناثرة عبر جنوب غربي إيران، لها فروع وأذرع وبطون على الجانب الآخر من الحدود مع قبائل جنوب العراق، ويوفر الأكراد العراقيون الذين يعيشون على جانبي الحدود رابطة إنسانية قوية بين البلدين، كما يتقاسم العراق وإيران احتياطيات هائلة من النفط، والأنهار، وشط العرب، المصب الرئيسي لكلا البلدين.
وقال "طاهري"، في مقال نشره في صحيفة "الشرق الأوسط": إنه لا يمكن لقاسم سليماني التعامل مع العراق بنفس الطريقة التي يتعامل بها مع لبنان أو سوريا؛ ففي لبنان، يمكن أن يستعين بإثارة المشاعر والنعرات الطائفية من خلال الزعم بأنه بفضل طهران أصبح فرع "حزب الله" اللبناني الحاكم الآمر الفعلي في جوانب الحكومة كافة بالنيابة عن كبرى الطوائف الدينية في البلاد.
ولا يزال قاسم سليماني يسيطر على عدد من المليشيات الشيعية العراقية، ومن أبرزها "عصائب أهل الحق"، و"الحشد الشعبي"، وما تبقى من "لواء بدر"، كما أنه ليس سرًّا أن العديد من السياسيين العراقيين والملالي هم مثل العملات الرخيصة في جيب طهران.
رغم ذلك، لا يزال مئات الآلاف من العراقيين الأحرار ينددون باسم "قاسم سليماني"، ويطالبونه بالخروج من بغداد وعدم التدخل في الشأن الداخلي، وسط صمت دولي على المعركة الدموية وغير العادلة التي يدير دفتها "سفاح طهران"، والتي قد يؤدي فشلها إلى نقل المعركة في قلب إيران وسقوط حكومة الملالي بعد عقود من سفك الدماء العربية.