تزامنًا مع التقارير الإسرائيلية التي أعلنت مقتل الأمين العام لـ"حزب الله" اللبناني حسن نصر الله بغارة إسرائيلية على بيروت، الجمعة، بعد 32 عامًا على رأس جماعته، تزايدت التساؤلات عن خليفته المرتقب.
وحسب تقرير على موقع صحيفة "الشرق الأوسط": رغم السرية والغموض اللذين يكتنفان عملية اختيار القيادات في التنظيمات الشبيهة بـ"حزب الله"، يتصدّر الأسماءَ المرشحة لقيادة التنظيم الحليف لإيران في حال تأكد الاغتيال، هاشم صفي الدين، ابنُ خالة نصر الله وصهر قاسم سليماني، القائد السابق لـ"فيلق القدس" في "الحرس الثوري" الإيراني.
يشبه "صفي الدين" ابنَ خالته في الشكل والجوهر وحتى في لثغة الراء، أُعدّ لخلافته منذ 1994، وجاء من "قم" إلى بيروت، ليتولّى رئاسة المجلس التنفيذي الذي يعتبر حكومة الحزب، أشرف على عمله القائد الأمني السابق للحزب "عماد مغنية".
كان صفي الدين "ظلّ" نصر الله بامتياز، والرجل الثاني داخل الحزب. وعلى مدى ثلاثة عقود أمسك الرجل بكل الملفات اليومية الحساسة، من إدارة مؤسسات الحزب الى إدارة أمواله واستثماراته في الداخل والخارج، تاركًا الملفات الاستراتيجية بيد نصر الله.
ويعدّ صفي الدين، المدرج على قائمة الإرهاب الأمريكية منذ عام 2017، من كبار مسؤولي الحزب الذين تربطهم علاقات وثيقة مع الجناح العسكري، إلى جانب علاقاته الوثيقة جدًّا مع الجناح التنفيذي.
تربطه كذلك بطهران علاقات ممتازة؛ فهو قضى سنوات في حوزة قم يتعلّم فيها، إلى أن استدعاه نصر الله إلى بيروت لتحمل مسؤوليات في الحزب. كما تزوج ابنه رضا في 2020 بزينب سليماني، ابنة العقل المدبر للمشروع الإقليمي لإيران قاسم سليماني الذي اغتالته غارة أمريكية في بغداد في العام نفسه.
اسم صفي الدين طرحته صحيفة إيرانية لخلافة نصر الله قبل 16 عامًا، لكن المطلعين على كواليس الحزب يقولون إن القرار اتخذ قبل ذلك بكثير؛ فوفقًا لما أكده قيادي سابق بارز في "حزب الله" لـ"الشرق الأوسط" آنذاك، فإن اختيار صفي الدين تمّ بعد نحو سنتين من تولي نصر الله منصب الأمين العام في 1992، خلفًا لعباس الموسوي الذي اغتالته إسرائيل.
يحدد القيادي السابق توقيت الاختيار بلحظة "استدعاء" صفي الدين من مدينة قم في إيران إلى بيروت على وجه السرعة عام 1994؛ لتسلم مركزه الذي مكنه من السيطرة على كل المفاصل المالية والإدارية والتنظيمية في الحزب.
وما يزيد من حظوظ اختيار صفي الدين لخلافة نصر الله، هو المسار المتشابه إلى حد الغرابة بين الرجلين داخل الحزب، غير أن نصر الله الذي لا يكبر ابن خالته بأكثر من عامين، يبدو أكبر منه بكثير من حيث الشكل، ناهيك عن الحضور السياسي والشعبي.
ولا يوجد الكثير من المعلومات عن صفي الدين؛ فهذا الرجل ظل لفترة طويلة شبه مجهول في الأوساط السياسية اللبنانية، إلى أن دفعته الإجراءات الأمنية المشددة المحيطة بحسن نصر الله، إلى الظهور محله في مناسبات الحزب، خصوصًا جنازات عناصره وقياداته الذين قتلوا في لبنان أو خلال قتال الحزب في سوريا ضد المعارضة، إلى جانب نظام الرئيس بشار الأسد، أو في مناطق انتشاره الأخرى لمساندة البرنامج الإقليمي الإيراني.
لكن المعلومات القليلة التي تتوفر عنه تقول: إن صفي الدين من مواليد عام 1964، من بلدة دير قانون النهر في منطقة صور جنوب لبنان، ومن عائلة "لها حضور قوي" بالمعيار الاجتماعي، وهي عائلة قدمت أحد أشهر نواب المنطقة في الستينيات والسبعينات وهو محمد صفي الدين، بالإضافة إلى العديد من رجال الدين البارزين.
وسعى صفي الدين، وهو لا يزال في عمر صغير نسبيًّا إلى الزواج قبل السفر إلى الدراسة الدينية في مدينة قم الإيرانية التي كانت تشهد في تلك الفترة اتساعًا متزايدًا في طلابها ونفوذها السياسي والديني بعد الثورة الإيرانية عام 1979 كرديف لمدارس النجف الدينية التي تدهور دورها نسبيًّا خلال حكم الرئيس العراقي السابق صدام حسين.
وأراد صفي الدين أن يكون زواجه من عائلة متدينة، وأن يصاهر أحد رجال الدين، فكان أن تزوج من ابنة السيد محمد علي الأمين عضو الهيئة الشرعية في المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى.
غادر صفي الدين إلى قم ملتحقًا بابن خالته نصر الله. ويقول بعض معارف العائلة: إن صفي الدين كان أحد ثلاثة كانوا موضع عناية واهتمام عماد مغنية، المسؤول الأمني البارز لـ"حزب الله"، والذي اغتيل في دمشق في فبراير "شباط" 2008 في ظروف ما زالت غامضة. هؤلاء الثلاثة هم: حسن نصر الله، ونبيل فاروق أحد أبرز قادة الحزب، وصفي الدين نفسه، موضحين أن مغنية هو من أرسل هذا الثلاثي إلى قم وسهّل أمورهم هناك.
كُتب لهؤلاء الثلاثة أن يكونوا من أبرز قادة "حزب الله" أوائل التسعينيات؛ فأصبح نصر الله أمينًا عامًّا، وصفي الدين مديرًا تنفيذيًّا للحزب بالمقياس المؤسساتي، وبمثابة رئيس حكومة "حزب الله"، أما فاروق فأصبح قائدًا عمليًّا لمنطقة الجنوب ذات الأهمية الكبيرة لدى قيادة الحزب وموقع قوته العسكرية الكبرى.
وإضافة إلى الشؤون اليومية للحزب، يدير المجلس التنفيذي الذي ترأّسه صفي الدين أيضًا مجموعة استثمارات هائلة الحجم، تهدف إلى تأمين الاستقلالية المالية للتنظيم وتمويل جسده الهائل الذي لا يخضع لتمويل "الأموال الشرعية" المرصودة أساسًا للعمل العسكري.
وفيما يقدر البعض هذا الرقم بمليارات الدولارات، تشكّك أوساط مطلعة على أوضاع الحزب في هذا رغم اعترافها بضخامة حجم استثمارات الحزب، والتي تنتشر في لبنان والعالم العربي وأفريقيا وأوروبا والولايات المتحدة وأمريكا اللاتينية. وكان المجلس التنفيذي يضمّ تحت إدارته العمل العسكري، قبل أن يتم إنشاء "المجلس الجهادي" وفصل صلاحياته عن المجلس التنفيذي.
أثّرت السنوات التي قضاها صفي الدين بقم في أفكاره السياسية؛ فهو مثلًا من الداعمين لفكرة ولاية الفقيه، بالرغم من أن الكثير من شيعة لبنان لا يؤمنون بها؛ ففي إحدى كتاباته يتطرّق صفي الدين من بعيد إلى تجربة رجال الدين الشيعة في قم وأهميتها مقارنة بتجربة النجف، وتأثيرها على الفكر السياسي لدى الشيعة بلبنان، فيقول: إن "الساحة الإسلامية الشيعية اللبنانية كان الغالب عليها الانحياز الكبير لمنتجات الفكر الآتي من النجف، ولتجربته في كثير من الأحيان بينما غاب عنها إلى حدّ كبير الخصوصيات القمية إلا في بعض الحالات النادرة، وبشكل مفاجئ وخلافًا للتوقعات المعيشية في عموم الساحة الإسلامية أطلّ فجر الانتصار للثورة الإيرانية بقيادة الإمام الخميني ليحقق حلمًا كبيرًا للنهج الإسلامي المتحرر معلنًا نجاحًا باهرًا وصاعقًا".
ويرى أنّ "نظرية ولاية الفقيه من أهم النظريات التي أخرجها الإمام الخميني من الأدلة الشرعية والعقلية لتكون مشروعًا كاملًا يعالج أهم المشكلات التي واجهت الحركات الإسلامية، والتي أدّت إلى حالة التشرذم".